4 مايو 2012، مسجد النور بالعباسية.. مكان وتاريخ بدلا خطط محمود التي وضعها لنفسه في الشهور القادمة.. الشاب المتخرج حديثا من كلية الإعلام جامعة سيناء، ويعمل مراسلا بإحدى الصحف المحلية بشمال سيناء، حالما بأن يصبح صحفيا ناجحا بعيدا عن تعسف صاحب السلطة. اليوم الذي ترك فيه الثوار بيتهم في ميدان التحرير في زيارة خاطفة إلى العباسية بالقرب من وزارة الدفاع؛ اعتراضا على دم المعتصمين الذي سال بوحشية دون مبرر، ومطالب أخرى بإلغاء المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تمنح اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة حقا مطلقا في إصدار القرارات بما فيها إعلان النتائج دون الطعن عليها، هو نفسه اليوم الذي ذهب فيه محمود حسين إلى ميدان العباسية مع والده لنقل بعض البضائع التي تخص تجارته من مخازنهم في المنطقة. ترك محمود والده للذهاب لتأدية الصلاة بالمسجد بعد أن سمع عن وجود الشيخ حافظ سلامة به، ربما يغطي حدثا ما لجريدته التي يعمل بها، متجاهلا الأوضاع المشتعلة في محيط وزارة الدفاع.. التي سرعان ما تطورت إلى مواجهات بالقنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش بين العسكر والمتظاهرين. يعود حسين ليأخذ ابنه من مسجد النور بعد صلاة المغرب، بعد تحميله بضاعته من المخزن، ليعرف وقتها أن الشرطة العسكرية ألقت القبض على الموجودين بالمسجد من ضمنهم محمود، وسيتم ترحيلهم إلى "س 28"، ليفتح باب المتاعب والانتظار على "وسعه" كما يقول حسين. يقول حسين والد محمود الذي يتعجب من أن يكون الشاهد الوحيد عليه هو مجند جيش "نقلوه في عربية الترحيلات حافي.. والمحامي قدر يثبت ده في محضر التحقيق، كدليل على أخذه من داخل المسجد"، براءة ابنه واضحة أمامه ومثبتة في التحقيقات، ويؤكد أنه رأى ابنه بالقرب من الوزارة يلقي حجرا على المجندين، وأنه أيضا كان يحمل ثلاثة أحجار صغيرة في جيبه. ووجهت له عدة تهم منها التجمهر بغرض تكدير الأمن العام، والاعتداء على موظفين عموميين أثناء تأدية عملهم، والانضمام إلى عصبة هدفها الإضرار بالممتلكات العامة. حبس محمود 15 يوما على ذمة القضية، تعرض خلالها لانتهاكات تركت أثرها على ظهره وكتفه، استطاع محاموه أن يثبتوها في المحكمة، لكن الأثر الأكبر كان نفسيا حيث أصيب بعدها بحالة شبيهة بالصرع، أدخله والده على إثرها إلى مستشفى للأمراض النفسية، حجز بها لفترة حتى تحسنت حالته، ووقتها أوصى الطبيب بعدم استشارة المريض. المشكلة التي واجهت محمود أثناء المحاكمة أنه اعترف في التحقيقات بالتهم المنسوبة إليه تحت وطأة التعذيب، إضافة إلى تجاهل القاضي لحافظة المستندات المقدمة من المحامي التي تثبت أن محمود كان حافي القدمين وقت إلقاء القبض عليه. صدر أول حكم في أحداث العباسية يوم 24 يوليو الماضي، وهو حكم غيابي ضد محمود حسين، بستة أشهر مع النفاذ، وحتى الآن لم يخبره والده بأنه تم إصدار حكم في حقه. يتوقع حسين في أية لحظة أن يتم القبض على ابنه لتنفيذ الحكم، لكنه الآن يعمل على تقديم تظلم، خاصة وأن لجنة بحث أوضاع معتقلي الثورة التي شكلها الرئيس محمد مرسي، لا يدخل في إطار عملها الأحكام الصادرة بعد 30 يونيو. يرى حسين أن الحل لكل من هم على ذمة قضايا عسكرية أو جنائية من بداية الثورة، رقبتهم في يد محمد مرسي.. بعيدا عن المجلس العسكري الذي أخطأ كثيرا خلال محاكماته، واصفا أحكامها ب"العشوائية والبعيدة عن الالتزام بالقانون".