ينتقد الدكتور حسين مؤنس المفكرين السياسيين المسلمين، وكلهم فقهاء، نظراً لأنهم فى نظره افتقدوا إلى إدراك حقيقة مهمة وهى أن «السياسة شىء، والإسلام وعقيدته وشريعته شىء آخر، فالسياسة عند ابن خلدون قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها، ثم يفرق بين السياسة العقلية المفروضة من أكابر الدولة وبصرائها، والسياسة الشرعية المفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها. وما سكت عنه ابن خلدون، ذكاء منه وحرصاً، أفصح عنه ابن تيمية فى كتابه «السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية». ويبدى مؤنس استغرابه من أن الفكر السياسى الإسلامى كله انحصر فى موضوع «الخلافة الملكية» هذا، من يستحقها ومن لا يستحقها.. وكيف يستطيع (الخليفة الملك) أن يكون رءوفا رحيما برعيته، وما الذى يصلح السلطان، وما الذى يفسده وما إلى ذلك من المباحث الفرعية، البعيدة جدا عن طبيعة أمة الإسلام وغاياتها. ونحن لا نريد بهذا أن نقول إن الخلافة ليست من الإسلام، أو أن الملك يتعارض مع الإسلام، فإن الخلافة أو الملك أو السلطنة وما إليها صور شكلية لممارسة تنظيم أمور الأمة، فالإسلام لا ينكر الخلافة، ولا ينكر الملك أو الإمارة، فهذه كلها أشكال تنظيمية إذا ارتضتها الأمة واختارتها لم يكن بها بأس، ولكنها تظل كما قلت تنظيمات شكلية، للأمة أن تصوغها كيف تشاء. أما المهم فهو الأمة الحرة الكريمة المؤمنة المتحدة فى المبادئ والغايات، الملتفة حول القرآن، المؤمنة بالإسلام إيمانا صحيحا». وينتهى مؤنس إلى أن دستور الإسلام هو هو «قانونه الأخلاقى، الذى هو قاعدة الحياة، وأصل الحياة الإسلامية». أما حسين هيكل، فيأخذ هذه القضية إلى مستوى أعمق، ليدخل إلى صلبها، من دون مواربة ولا تتردد، فيفرق بين كون الإسلام يفرض قواعد أساسية لحياة الأسرة، والميراث والتجارة والبيع، وهى مسائل استفاض الفقهاء فى شرحها، وعملوا على تقديم اجتهادات فيها تواكب الواقع المتجدد، وبين تحديده نظام حكم بعينه. وهنا يقول: «هذه القواعد الأساسية لشئون حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، لم تتناول أى تفصيل فى الأساس الذى تقوم عليه الدولة. ولم تتعرض لنظام الحكم تعرضا مباشرا، والآيتان الكريمتان «وشاورهم فى الأمر» و«أمرهم شورى بينهم» لم تنزلا فى مناسبات تتصل بنظام الحكم». وتأسيسا على عدم ورود أى شىء فى النص المؤسس للإسلام وهو القرآن الكريم يفصل فى تبيان نظام الحكم، ينتقل هيكل إلى مستوى الممارسة، فيرى أن فكرة الحكم لم تكن مفصلة القواعد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة، وأن الرسول الكريم لم يغير نظم الحكم البسيطة التى كانت سائدة فى مجتمع البادية، وقبل الاختلاف والتباين بينها، ونادى فقط بأن تعتمد فى تسيير الحياة على المبادئ العامة للإسلام وفى مطلعها العدالة والمساواة والحرية، وأنه لم يغير الأوضاع التى كانت قائمة فى مكة نفسها بعد أن فتحها، ولم يضع نظاما مفصلا للحكومة الإسلامية. ( ونكمل غدا)