لا تزال قاعدة «عدو عدوى هو صديقى»، أسوأ الخيارات السياسية على الإطلاق، فبعد أن ينتهى ذلك التحالف، يبادر العدو الواقف إلى جوارك إلى استلال السكين وطعنك، وهذا هو ما يحدث الآن بالضبط، فالتيارات السلفية التى اختار نظام «ثورة 30 يونيو» أن يتحالف معها، هى نفسها التى تطعنه. وحتى لا نتوه فى أدغال السلفية، دعونا نتحدث عن واحد منهم على سبيل المثال، وهو الشيخ ياسر برهامى، الذى ينسب إليه تأسيس الدعوة السلفية بالإسكندرية، وهو الآن المحرك الفعلى لحزب «النور» الذى يتمسك بصبغ الدستور بالدين من خلال المادة 219، وهو نفسه الحزب الذى تمسك بحذف كلمة «مدنية» من الديباجة، متحالفا فى ذلك مع مؤسسة الأزهر الشريف. ولد برهامى لأسرة قريبة الصلة من تنظيم الإخوان، وبسبب ذلك اعتقل والده وعمه فى الحقبة الناصرية، ولم ينضم برهامى إلى التنظيم بل شارك مع الشيوخ محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبدالعظيم، ومحمد عبدالفتاح أبوإدريس وأحمد حطيبة، فى تأسيس الدعوة السلفية على مبادئ الإمام أحمد بن تيمية والسعودى محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية وعبدالعزيز بن باز ومحمد ناصر الألبانى ومحمد بن صالح بن عثيمين، وكل هؤلاء يصبون فى خانة التشدد. قبل ساعات من يوم 25 يناير 2011، أصدر برهامى بيانا قال فيه «انطلاقاً من تمسكنا بديننا وشعورنا بالمسئولية تجاه بلادنا وحرصاً على مصلحتها، وتقديماً وتغليباً لأمن العباد والبلاد فى هذه الفترة العصيبة، وتفويتاً لمقاصد الأعداء التى تهدف إلى نشر الفتن؛ نرى عدم المشاركة فى تظاهرات الخامس والعشرين من يناير»، وكان هذا البيان مقدمة لثلاثة بيانات صدرت فى 4 أيام كانت كلها ضد الثورة. وهكذا لم يشارك السلفيون ولا برهامى طبعا فى 25 يناير، لكنهم كانوا الفائز الأكبر بالخراج والغنائم. حدث ما حدث، وصار السلفيون أمرا واقعا حسبما كان مخططا لمصر. وأبلى هؤلاء بلاء حسنا فى غزوة الصناديق يوم 19 مارس، ثم كانوا المهندسين البارعين فى التحالف مع الإخوان خلال انتخابات البرلمان الإسلامى أواخر 2011، وصاغ ياسر برهامى بيديه دستور الفتنة والرجعية، وشارك فى دعوة الناس إلى التصويت ب«نعم» وإلا فإنهم سيدخلون جهنم وبئس المصير. وعندما جاءت معركة الانتخابات الرئاسية وقفت دعوة «برهامى» وحزبه خلف حازم صلاح أبوإسماعيل ثم عبدالمنعم أبوالفتوح ثم محمد مرسى. وعندما جاء أوان توزيع لحم مصر على التيارات الإسلامية، اختلف السلفيون مع الإخوان ليس على المنهج بل على حصة كل منهم من جثة الوطن، فقد أقصى حزب برهامى من الحكومة، فانقلبوا على الإخوان حتى جاءت ثورة 30 يونيو. ويومها توارى برهامى ولم يشارك وحزبه تماما مثلما فعلوا فى 25 يناير، حتى شاء نظام الثورة أن يلصق بنا تلك التهمة يوم إعلان خارطة الطريق. ومن يومها لا همّ لحزب برهامى سوى «المادة الثانية والمادة 219 وحذف كلمة مدنية». لم يفهم نظام ثورة يونيو أن عشرات الملايين التى خرجت أيام 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو، أسقطت تماما خرافة سيطرة السلفيين على مساجد مصر وعلى وجدان الشعب، وكشفت حقيقة وزنهم فى المجتمع.. والعدو الذى لا وزن له كان يجب ألا يشارك فى صناعة المستقبل.