مرهف الإحساس، عالي النغم، جريء الكلمات والنظم، فقره المدقع دفعه إلى البحث عن مخرج لموهبته عله يجد فيها سبيلا في إنقاذ حياته، فارس من أدباء المهجر، وشاعر ممن تربعوا على قمة الشعر العربي في هذه البلاد، حملت قصائده روح الشرق وهمومه، وهو في أقصى الغرب، وكأنه شجرة أرزٍ لبنانية غُرست على ضفاف الميسيسيبي. إنه شاعر الأمل والتفاؤل "إيليا أبي ماضي"، لبناني الأصل والنشأة، والذي يعتبر من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، ولد في 1890 بلبنان، ونشأ وسط عائلة بسيطة الحال، لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة، دخل مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة، وعندما اشتد به الفقر في لبنان، رحل «إيليا» إلى مصر في 1902، للتجارة مع عمه. وكما غنَّى أبي ماضي لوطنه الأول لبنان، فقد غنى لوطنه الثاني مصر التي كان لها في نفسه أثرٌ كبير .. فقد وجد فيها الرزق والعلم.. وخطت فيها أولى خطواته على طريق الأدب.. لذلك قال في حبها: فكم بي في الناس من مُقتدِ أيا مصرُ أفديك بالأنفسين أحبك حتى تجف البحار وما أنا وحدي المحبُ الأمينُ التقى في مصر بأنطون الجميل، الذي كان قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة "الزهور" فأعجب بذكائه وعصاميته إعجابا شديدا ودعاه إلى الكتابة بالمجلة، فنشرأولى قصائده بالمجلة، وتوالى نشر أعماله، إلى أن جمع بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم "تذكار الماضي"، وقد صدر في عام 1911م عن المطبعة المصرية. اتجه أبو ماضي إلى نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية، فلم يسلم من مطاردة السلطات، فاضطر للهجرة إلى الولاياتالمتحدة عام 1912 حيث استقر أولا في سينسيناتي بولاية أوهايو حيث أقام فيها مدة أربع سنوات عمل فيها بالتجارة مع أخيه البكر مراد، ثم رحل إلى نيويورك وفي بروكلين، شارك في تأسيس الرابطة القلمية في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. أصدر مجلة "السمير" عام 1929م، التي تعد مصدرا أوليا لأدب إيليا أبي ماضي، كما تعد مصدرا أساسيا من مصادر الأدب المهجري، حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر، وبخاصة أدباء المهجر الشمالي كثيراً من إنتاجهم الأدبي شعرا ونثرا، واستمرت في الصدور حتى وفاة الشاعر عام 1957.