المنهج الجاهلى فى التعامل هو منهج الظلم الذى يظهر فى صورة التغالب وإهدار الجانب الموضوعى وتعلية الجانب الشخصى. أما المنهج الإسلامى فى التعامل فهو منهج العدل الذى يظهر فى صورة التحاكم أو التقاضى بتعلية شأن القانون وإهدار الجانب الشخصى. وليس بالضرورة أن يمارس المنهج الجاهلى غير مسلم، بل إن كثيراً من خواص المسلمين قد يستهويه هذا المنهج الذى يعتمد على النصرة بالعصبية؛ بمعنى أن يكون معيار العطاء والمنح، أو معيار الشكر والتجاهل، أو معيار الحماية والتجريح، أو معيار الابتسامة والتكشير راجعاً إلى من يوافقك أو يخالفك هويتك الشخصية سواء بالقرابة كالعائلة والقبيلة أو بالعقيدة كالملة والدين أو بالفكر كالحزب والرابطة أو بالوضع كالمهاجرين والأنصار أو بالمزايدة على الآخرين كالأسماء المستحدثة للجماعات الإسلامية أو غير ذلك من كل ما يعرفه البشر ويصنفهم بالصفة الشخصية وليس بالصفة الموضوعية. وينكر الإسلام هذا المنهج على صاحبه ولو كان مسلماً من الطراز الأول كالصحابة، فقد أخرج أبوداوود بإسناد حسن عن جبير بن مطعم أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية، ليس منا من قاتل على عصبية، ليس منا من مات على عصبية». وفى ذات يوم كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار -أى ضربه بقدمه على فخذه- فغضب الأنصارى لكرامته ولم يسلك طريق التقاضى وإنما سلك طريق الجاهلية بالاستقواء بعشيرته وقبيلته ليثأروا له، فقال: يا للأنصار، أى هلموا لنصرتى بصفتى أحدكم وما وقع علىّ من عدوان إنما هو عدوان على كل الأنصار، فلما رأى المهاجرى الجانى هذا الحشد نادى هو أيضاً وقال: يا للمهاجرين، أى ادركونى فإن الأنصار لا يستهدفونى وحدى وإنما يستهدفون كل المهاجرين فى شخصى. فلما رأى النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا الحشد وسمع هذا النداء وذاك استوقفهم على الفور وحذرهم من أن صفاتهم التكريمية التى وصفها القرآن الكريم بقوله سبحانه: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار» (التوبة: 100) لا تعنى جواز التعصب بها أو الانتصار بسببها، فهذا عود إلى الجهالة والجاهلية، فقال (صلى الله عليه وسلم): «أدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة»، كما أخرجه الشيخان من حديث جابر بن عبدالله. هكذا حسم النبى (صلى الله عليه وسلم) الموقف دون مجاملة المهاجرين الذين ينتمى إليهم أو محاباة الأنصار الذين آووه ونصروه. إنه عندما يسقط حكم العدل الذى يمثله القانون أو القضاء فإن الحياة تكون جاهلية ولو كان ذلك على أيدى السابقين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم. كما أنه ليس بالضرورة أن يكون الممارس للمنهج الإسلامى مسلماً، بل إن كثيراً من غير المسلمين بفطرهم السوية قد يلتزمون هذا المنهج الذى يعتمد النصرة بالعدل أو بالحق؛ بمعنى أن يكون معيار العطاء والمنع أو معيار الشكر والتجاهل أو معيار الحماية والتجريح أو معيار الابتسامة والتكشير راجعاً إلى موافقة القانون محل الاحتكام من عدمه أو راجعاً إلى الجانب الموضوعى الذى يعتمد الخبرة والحنكة والإنصاف وليس الجانب الشخصى الذى يعتمد على الولاء أو الانتماء بصفة أساسية؛ لأن النجاح الدائم يكون بالاحتكام إلى الموضوع أو الحقيقة وليس إلى الأشخاص، فالأشخاص زائلون والحقائق باقية، وهذا أحد الدروس المستفادة من قول الله تعالى: «ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة: 8). وما أشار إليه النبى (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه قبل الهجرة أن يهاجروا إلى الحبشة معللاً ذلك بقوله: «إن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد»، كما أخرجه ابن إسحاق فى سيرته. وإذا ثبت أن المنهج الإسلامى الذى يعتمد الموضوعية والعدل فى الحكم يستطيع أن يمارسه غير المسلم كما أن المنهج الجاهلى الذى يعتمد العصبية والظلم فى الحكم يمكن أن نراه على أيدى من نظن فيهم التقوى والصلاح فإن الوزارة الجديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل فى اختبار صعب وسيستطيع الشعب أن يحكم على أدائها الذى نرجو أن يكون بالمنهج الإسلامى.