طالما لدىّ عقل، وعيون ترى وأذن تسمع، فلن أصدق الاستطلاع الذى أجرته مؤسسة تومسون «رويترز» فيما يتعلق بحقوق المرأة.. لن أصدق أن مصر هى أسوأ مكان بالعالم العربى يمكن أن تعيش فيه المرأة الآن! صحيح أننا ما زلنا نعانى من «التمييز»، وأن فترة حكم الإخوان جعلتنا «عورة» لا تزول إلا بتقديمنا قرابين لآلهة الفاشية الدينية، وصحيح أيضاً أن دستور الإخوان جعلنا مادة تذيل بعبارة «بما لا يخالف شرع الله».. وأن «نائبات الإخوان» حاولن تجريدنا من حقوقنا.. وتحولنا إلى مادة ثرثرة حول زواج القاصرات وختان الإناث.. أو إلى مؤامرة للتحرش بالناشطات حتى نعتزل التظاهر والعمل السياسى.. لكن الأهم من ذلك كله أننا أسقطنا هذا النظام المستبد الذى قهر المرأة والرجل على السواء. إذا كان تقرير «رويترز» يعتمد على المعايير الدولية لقياس مكانة المرأة، فنحن فعلا لم نتمكن من المراكز القيادية العليا، وفعلا نعانى انعدام العدالة فى تمثيل المرأة داخل لجنة الخمسين لتعديل الدستور.. وما زلنا نطالب بالتمييز الإيجابى (الكوتة) حتى تتمكن المرأة المصرية من الوجود المطلوب داخل مجلس الشعب. نحن النساء نعترف أن مصر لا تلتزم بالاتفاقات الدولية، التى وقعت عليها، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.. نعترف بأن الثقافة الذكورية السائدة ظلمتنا كثيرا وطويلا. ولكن هل كل هذا يجعل المرأة المصرية فى وضع أسوأ من المرأة العراقية، التى أكد تقرير «رويترز» أنها تعانى «بعد الغزو» من الصراعات وتفاقم الدعارة والأمية.. لدرجة أن هناك حوالى 10% من السيدات، أى 1.6 مليون سيدة عراقية، أرامل وفى مهب الريح وفقا لبيانات «المنظمة الدولية للاجئين»؟! هل مصر أسوأ من سوريا، التى أدت الحرب الأهلية فيها إلى آثار مدمرة على النساء سواء فى الداخل أو فى مخيمات اللاجئين عبر الحدود حيث يكن عرضة للاتجار فيهن وللإكراه على الزواج ولتزويج القاصرات والعنف الجنسى.. بحسب نفس التقرير؟! مصر ليست «جنة الله على الأرض»، وإن كنت أراها كذلك، لكن لا يمكن الاستناد لتقرير يجعلها أسوأ بقعة على الأرض للنساء بسبب: (التحرش الجنسى، ارتفاع معدلات ختان الإناث، زيادة العنف وصعود التيار الدينى بعد انتفاضات الربيع العربى).. دون النظر إلى تاريخها النضالى الطويل، وتقييم موقفها ك«ثائرة» خرجت بالملايين إلى الميادين تطالب بالحرية! لا يمكن أن يكون وضع المرأة المصرية أسوأ من المرأة السعودية، التى تُحرم الحق حتى فى قيادة السيارة، ولا تتمكن من العمل أو السفر للخارج أو تلقى تعليم عال إلا بإذن ولى أمرها.. لمجرد أن هناك 30 امرأة فى مجلس شورى بلا صلاحيات تقريبا.. بحسب نفس التقرير!! هذا تقرير مغلوط، يزيف وعى العالم بريادة المرأة المصرية على طريق الديمقراطية، يجعل «جزر القمر» أفضل مكان على الخريطة العربية لأن المرأة هناك لا تعانى ضغوطا لإنجاب الذكور، ولأنها تحصل على أملاك عند الطلاق!! (منك لله يا «مرسى»)، جعلت «رويترز» تعايرنا بالانهيار الأمنى وانحسار الحريات، وصدرت للعالم الوجه الوحشى للحكم الدينى! العالم الغربى بحث فى بلداننا العربية عن قانون يجرم «الإكراه على المعاشرة الزوجية»، أو قانون يعاقب على الانتهاكات الجنسية، فلم يجد إلا فى «جزر القمر». لا يعرفون أن العقد الشرقية تمكنت من المرأة، فهى التى ترفض الإفصاح عن التعرض للتحرش الجنسى، أو الاغتصاب فى فراش الزوجية، أو العنف الأسرى. نحن نحتاج لعلاج نفسى حتى تصعد مصر من قاع البئر، وتصبح دولة عادلة للنساء، نحتاج لنسف الثقافة الذكورية والنسائية معا للقضاء على كافة أشكال التمييز!!