عشش خشبية صغيرة، تغطى وجهتها قطع قماش بالية، تتراص على جانبى الطريق الدائرى، يتنوع نشاطها بين سكنى وتجارى، يعلو سقف بعضها طبق دش صغير، يتوافر بداخلها مقومات الحياة الأولية «كهرباء ومياه»، الأولى يتم توصيلها من أعمدة الإنارة الثابتة بجوارها عبر أسلاك كهربائية بطريقة بدائية، بينما المياه توجد فى جراكن وبراميل بلاستيكية تتراص فى أحد الأروقة. ينقسم المكان من الداخل إلى قسمين: الأول داخلى للنوم، والآخر خارجى أشبه بمكان مفتوح للمعيشة، الوصف السابق لا يعبّر عن مساكن عشوائية فى حى شعبى فقير أو بنايات مخالفة فى منشية ناصر، وإنما عشش سكنية وأكشاك وكافيتريات تتناثر على جانبى الطريق الدائرى، سكانها لهم عالمهم الخاص، اقتصادهم الضعيف، كما يصفونه، قائم على بيع المشروبات والمواد الغذائية للمارة من سائقى السيارات الأجرة والنقل الثقيل. خلف وعاء معدنى الصنع، تجلس «أم أحمد» ذات البشرة السمراء، فى مواجهتها تقبع ابنتها عشرينية العمر، تتعاونان معاً فى غسل الملابس المغمورة بالماء الممزوج بالصابون داخل الوعاء، وبينما تتولى ثالثتهما ذات ال18 عاماً تثبيت الملابس المبللة على حبل غسيل ممتد من أمام الغرفة الخشبية إلى أقرب عمود كهربائى، وعلى بعد خطوات معدودة يلهو حولهم طفلان فى عمر الزهور، وسط مساحة لا تتجاوز 10 أمتار، يحدها حوائط خرسانية، مثبتة على حدود الدائرى. فى نظر المسئولين، تعتبر أسرة «أم أحمد» خماسية العدد مخالفة للقانون، حيث هدم مسئولون من هيئة الطرق والكبارى وبعض الموظفين من محافظة القليوبية، مدعومين بقوات من الشرطة مسكنهم الخشبى أكثر من مرة، لتعاود الأسرة بناءه من جديد كلما سمحت لهم الظروف بذلك، كما تروى السيدة أربعينية العمر: «إحنا كنا قاعدين فى شقة بالإيجار بمنطقة أم بيومى، وطردنا منها المالك بعد ثورة 25 يناير، وانتقلنا للسكن فى بلبيس بمحافظة الشرقية، لأن السكن هناك رخيص، وحدثت مشكلات بيننا وبين العرب هناك فطردونا، ولم نجد مكاناً آخر نقيم فيه غير هنا». تشير بسبابتها «منال» الابنة الكبرى لأم أحمد قائلة: «حياتنا كلها فى الحتة دى ساكنين هنا، نبيع الشاى والحاجة الساقعة والساندوتشات لسائقى السيارات»، وترى ابنة ال23 عاماً أنهم لا يؤذون أحداً بوجودهم فى هذا المكان وإنما العكس «بنخلى للمكان حس»، على عكس الأماكن الهادئة المظلمة، التى تنتشر فيها عمليات التثبيت. «زوجى راجل على قدّ حاله ومريض ولا يقوى على العمل ويكتفى ببيع المناديل».. بهذه الكلمات تحدثت «أم أحمد» عن زوجها رب الأسرة، مضيفة، «لا نجد مكاناً نعيش فيه غير ده، ونطالب الحكومة بأن توفر لنا حتة ننام فيها»، تقاطعها ابنتها الكبرى: «بس هما يسيبونا فى حالنا، واحنا مش عايزين منهم حاجة»، تصمت برهة، قائلة: «مافيش حاجة غلط بنعملها وإذا كان فيه حد منا أو غيرنا من اللى عايشين على الدائرى بيعمل حاجة غلط يقبضوا عليه، لكن فيه بعض الناس اللى بتعمل حاجات مش صح زى بيع البرشام، بس مش من العدل نُطرد كلنا بسبب أخطاء البعض». أسرة «أم أحمد» ليست وحدها المقيمة على الطريق الدائرى وإنما يقيم غيرها العشرات بصورة غير قانونية، ينظر لهم المسئولون على أنهم مخالفون ويجب محاسبتهم، بينما هم يعتبرون أنفسهم ضحايا المجتمع الذى يعيشون على هامشه. اختفاء الاستراحات على الدائرى، دفع سكان الطريق لأداء هذا الدور بطريقة عشوائية، طمعاً فى تحقيق الربح مثل إنشاء «نصبة شاى على الرصيف، واحتلال بائعى الفاكهة مساحات كبيرة من الطبقة الأسفلتية الممتدة فى نهر الطريق أسفل الرصيف وأيضاً وضع بعض الأشخاص إطارات قديمة تالفة بعرض الحارة اليمنى كإعلان عن وجود فنى إصلاح كاوتش مختبئ خلف الحاجز الأسمنتى». وتحول كوبرى الوراق الممتد فوق نهر النيل بين منطقتى باسوس والوراق وكذلك الجانب الآخر من الدائرى فوق كوبرى المنيب، إلى مقهى مفتوح، حيث ينتشر عليه بائعو حمص الشام والذرة المشوية والبطاطا منذ ال6 مساءً وحتى منتصف الليل، وذلك أمام أعين رجال المرور وبجوار مبناهم الموجود على كوبرى المنيب وفى نهاية كوبرى الوراق دون تدخل أىٍّ منهم لمنع ما يحدث. اخبار متعلقة «الوطن» ترصد مشاهد تحول الطريق من «رئة مرور» تخفف الزحام إلى «حزام ناسف» حول العاصمة دولة «الدائرى» كمائن الشرطة تثبت إهمال «الداخلية»: واحد «شغال».. و9 «مهجورة» تلال المخلفات تحتل الطريق.. ومشرف نظافة: إمكانياتنا لا تسمح بمواجهة أطنان القمامة اليومية سلالم وفتحات وتعديات فى انتظار «الكارثة» الترشيد على طريقة «الكهرباء»: أعمدة الإنارة مضاءة نهاراً.. ومطفأة ليلاً الصيانة باستراتيجية «ربنا يستر» المواقف العشوائية: «البلطجية» يسيطرون برعاية رجال المرور.. و«كله من جيب المواطن» سيارات «النقل الثقيل».. «كوارث» تتحرك على طريق الموت