تتصاعد الشكوى بين النخب الإعلامية من إقدام جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، على أخونة الصحف القومية والتليفزيون الرسمى، وينطلقون فى ذلك من تحرك مجلس الشورى لتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية، وتعيين القيادى الإخوانى صلاح عبدالمقصود وزيرا للإعلام. فزاعة الأخونة فى تقديرى تفتقد إلى المصداقية، وتأتى فى إطار المناكفات السياسية ومحاولات بعض السياسيين، خصوصا من الطرف اليسارى والناصرى، تشويه أى عمل يقوم به خصومهم التقليديون من جماعة الإخوان، وحرق رئيسهم مرسى ومشروعه السياسى تمهيدا لإحلال مشروعهم الناصرى واليسارى محله فى أى انتخابات مقبلة. فى تفنيد مزاعم الأخونة لا يحتاج الأمر لكثير من العناء، ففى حالة الصحف القومية، أضطر مجلس الشورى للإقدام على خطوة تغيير رؤساء التحرير بسبب انتهاء مددهم القانونية يوم 17 مارس الماضى، ورغم ذلك فقد حرص مجلس الشورى، وهو صاحب اختصاص قانونى أصيل بتعيين رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات، على إشراك نقابة الصحفيين فى وضع المعايير والإجراءات، كما عقد عدة جلسات استماع أخرى مع شيوخ المهنة للغرض ذاته، وأشرك عددا من شيوخ المهنة وأساتذة الإعلام فى لجنة الاختيار، وسارت الأمور بشكل هادئ حتى شعر بعض رؤساء التحرير سواء مَن عينهم صفوت الشريف أو المجلس العسكرى بالخطر فأهاجوا الدنيا، وحركوا أنصارهم بدعوى الدفاع عن الصحافة التى تتعرض لخطر الأخونة، وهى فزاعة قديمة استخدمها نظام مبارك كثيرا، والحقيقة أن صحفيى الإخوان المسلمين حُرموا بالأساس من دخول المؤسسات القومية بناء على تعليمات أمن الدولة، ولم يتمكن من دخول تلك المؤسسات إلا أفراد قليلون ليس فيهم حتى الآن مَن هو مؤهل من حيث السن والخبرة لتولى موقع رئاسة التحرير، وقد نشرت أسماء المتقدمين فعلا لمواقع رئاسة التحرير وليس من بينها اسم واحد ينتمى لجماعة الإخوان. فى المقابل يتجاهل هؤلاء الزملاء أن تطهير الصحافة القومية كان أحد المطالب الأساسية لثورة 25 يناير، وقد شاهد كل مَن شارك فى الثورة صورا لعدد من رؤساء التحرير تُرفع فى ميدان التحرير فى كل مليونية طلبا لإبعادهم عن مواقعهم، ومع ذلك ظلت هذه الشخصيات قابعة فى مواقعها حتى اليوم وهى مع رجال المجلس العسكرى مَن يحركون الاعتصامات والاحتجاجات ليس دفاعا عن المهنة ولكن دفاعا عن أشخاصهم. لم يكتف أصحاب الصوت العالى بمعركة الصحف القومية، لكنهم انتقلوا أيضا إلى ماسبيرو، فمع تعيين صلاح عبدالمقصود وزيرا للإعلام راحوا يكررون الاتهامات ذاتها بأخونة التليفزيون، وهو المبنى الذى يخلو تقريبا من أى عناصر إخوانية لرفض قبولها بناء على تقارير أمنية أيضا، وهو الذى كان -ولا يزال الكثيرون فيه- منصة مضادة لثورة 25 يناير، وكان تطهيره أحد أبرز مطالب الثورة والثوار، ولم تتمكن قوى الثورة من تطهير هذا المبنى على مدار الثمانية عشر شهرا الماضية بسبب خضوعه للمجلس العسكرى الذى عين وزيرين سابقين للإعلام، وكان الكثيرون يتوقعون أن يحتفظ بحقيبة الإعلام فى الحكومة الجديدة، لكن تعيين عبدالمقصود بدد هذه الآمال. فزاعة الأخونة تستخدم الآن فى كل المجالات، فحين تطرح قضية تطهير وإعادة هيكلة وزارة الداخلية مثلا يتم تصوير ذلك باعتباره أخونة للداخلية، وحتى حين تطرح حملة للنظافة والتجميل يتم تصويرها أيضا باعتبارها محاولة لأخونة هذا القطاع، ويتم تحريض عمال الزبالة على العصيان بدعوى أن أعضاء الحرية والعدالة يحاربونهم فى لقمة عيشهم حين يقومون بجمع القمامة بأنفسهم من الشوارع والبيوت، إنها فزاعة الأخونة فى كل شىء التى تعتمد عليها الآن الثورة المضادة لوقف التقدم، وإفشال خطط النهوض والإصلاح.. فيا فزاعة الأخونة كم باسمك تُرتكب الجرائم.