يجأر بعض الكتاب بالشكوى قائلين: لماذا نكتب؟ والأصل أن الكاتب يكتب مقالاً أو بحثاً أو دراسة فى الجرائد السيارة أو فى الدوريات (المجلات الأسبوعية أو الشهرية، والدراسات) وهى تكون فى هيئة مقالة أو مقالات متتابعة أو أى صورة أخرى. فإذا كان المقال بياناً للأحداث أو الواقعات الجارية، فإن القارئ قد يُعرض عنها لأنه عرف من التلفاز أو من مقالات أخرى ما فى المقال. وقد تعددت الجرائد والمجلات بصورة غير مسبوقة. وإذا ركنّا إلى الإحصاءات الدولية فإنها تتضمن أن مدة القراءة الفردية فى العالم العربى تبلغ 6 دقائق للفرد، وهى نسبة متدنية للغاية، يرجع بعضها إلى زيادة نسبة الأمية الأبجدية فى العالم العربى كله، وإلى التلفاز الذى كثرت قنواته بفضل الصحون الهوائية. يضاف إلى كل هذا ما جاء فى مقال سابق لنا من أن ثقافة المسلمين - على الأرجح - هى ثقافة شفهية، تعتمد على السماع، ولا تُعنى بالقراءة. يستثنى من ذلك الكاتب الذى يتسامع الناس به، بأن كتاباته لها مذاق خاص، أو تتضمن أفكاراً لامعة، أو هى إفادة له ولغيره فى أن تصبح قراءة كتابات هذا الكاتب إدماناً للقارئ، ومتابعة له فى أى مجال إعلامى. إن الكل - من مرشحى الرياسة - هم أو غيرهم، عرضوا برامج وهمية أو خيالية أو صعبة التحقيق، أو تقتضى وقتاً طويلاً لتحقيقها، لكن أحداً لم يركّز أو حتى يقول أو يُلْمح إلى العلّة الأساسية فى مصر ولدى المصريين، وهى غياب الترشيد. فالكم فى الشعوب ليس مهماً بقدر الكيف المرشّد. ولقد قيل من العراقيين أن العامل المصرى غير مرشد، وقال ذلك بعض رجال الأعمال فى الدول الخليجية التى يعمل فيها كثير من المصريين. والشخص غير المرشّد لا يمكن أن يعمل فى غير الأعمال اليدوية. وبسفر العمال الحرفيين إلى بلاد الخليج، بدت فى مصر الحاجة إلى«ميكانيكى أو كهربائى أو سباك»، وظهر أن الذين يعملون فى هذه الحرف قد هاجروا إلى الخارج دون أن يتركوا بعدهم مهرة جادين فى حرفهم. إن البلاد العربية، ومنها مصر، تتنكب حركة التاريخ فتسير إلى الخلف أو تقف مكانها، ومن لا يسير وتحرك إلى الأمام ويدرك حركة التاريخ، يلتفت عنه الزمن فيتخلف ولا يتقدم. فى أحد أناجيل المعرفة - ذات الأصل المصرى - قال السيد المسيح «إن سألوكم عن علامة الله فيكم قولوا لهم: إنها الحركة (إلى الأمام)» مع التاريخ، وسير الأيام. ومن لا يتحرك يتراجع، فلا رحمة فى التاريخ للشخص أو المجتمع الذى لا يتحرك أو ينكر الحركة على نفسه أو على غيره. منذ ألف سنة قال أبوالطيب المتنبى: وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء وفى أواخر عشرينات القرن الماضى، قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: وكم ذا بمصر من المضحكات.. كما قال فيها أبوالطيب. وقال أبوالطيب المتنبى. أغاية الدين أن تُحفوا شواربكم.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم وهو بيت من الشعر يمكن أن يقال عن كثير من المصريين فى العصر الحاضر. إن الهدف الرئيسى لمصر، لكل مصر، ينحصر فى كلمة واحدة «الترشيد»، فلا تكون فى الشعب كله، أو فى أى فرد فيه، أمية أبجدية، أو أمية ثقافية، أو أمية سياسية. هذا ما يتعين أن يعمل له الجميع بقدرة وإخلاص، فلا يكون فى مصر شخص غير مرشد بما فى ذلك الترشيد فى معرفة وإتقان التقنية العالية، والعالية جداً(ultra). بذلك يمكن للشخص المصرى أن يقرأ ويقرأ، وتشمل قراءته المقالات والكتب، فلا يشكو من كاتب قائلاً: لماذا نكتب؟