بعد أقنعة متعددة وضعها على وجوههم قادة جماعة «الإخوان المسلمين»، وخصوصاً فيما يتعلق بقبولهم فكرة التعددية السياسية فى مجتمع ديمقراطى، كشفوا عن وجههم الحقيقى النقاب فى الأسابيع الأخيرة. وهذه الأقنعة التى تستروا وراءها تعود إلى أواسط التسعينات، حين أعلنوا أنهم لا يهدفون إلى تأسيس دولة دينية تطبق شريعة الله تحقيقاً لشعارهم الشهير«الإسلام دين ودولة» ولكنهم يقبلون بالدولة المدنية ويفسرون مبدأ الشورى الأثير لديهم بأنه يعنى «أن الأمة مصدر السلطات» كما جاء فى مذكرة مهمة أصدروها عام 1994 بعنوان «موجز عن الشورى فى الإسلام وتعدد الأحزاب فى المجتمع المسلم». ودار الزمن دورته، وقامت ثورة 25 يناير التى أسقطت النظام السلطوى الذى ساد فى عصر الرئيس السابق «مبارك»، مما أدى إلى إنهاء إقصاء «الإخوان المسلمين» عن العمل بالسياسة، بعد أن شكلوا حزب «الحرية والعدالة» باعتباره الذراع السياسية للجماعة. والواقع أن قبول إنشاء أحزاب دينية فى مصر بعد الثورة- أياً كانت دواعيه وأسبابه- يعد خطأ استراتيجياً جسيماً، لأن فيه خلطاً شديداً بين الدين والسياسة، مما يمثل خطرا محدقاً على مستقبل الديمقراطية المصرية. والدليل على ذلك أن جماعة دينية خالصة هى «الإخوان المسلمين» تقرر إنشاء حزب سياسى تابع لها، ويتولى المرشد العام للجماعة ومجلس الشورى تعيين رئيسه وأعضاء مكتبه السياسى بزعم أن الحزب مستقل عن الجماعة، كان مقدمة فى الواقع لتجلى الملامح الحقيقية للمشروع «الإخوانى» فى إقامة دولة دينية فى مصر على أنقاض الدولة المدنية القائمة، التى تسعى قوى سياسية متعددة لجعلها دولة ديمقراطية حقيقية تسمح بالتعددية السياسية الكاملة وتقبل التنوع على أساس تطبيق مبدأ المواطنة بشكل حقيقى. وعلى الرغم من تأكيد قادة الجماعة أنهم لا يسعون لتأسيس دولة دينية وأنهم يقبلون بالدولة المدنية، فإن تصريحاتهم فى الأسابيع الأخيرة تؤكد أن قادة جماعة الإخوان المسلمين مصرون على مشروع الجماعة الأصلى وهو تأسيس دولة دينية تطبق أحكام الشريعة الإسلامية وليس مبادئها فقط، كما تنص المادة الثانية من دستور 1971. ويكفى للتدليل على ذلك أن نحلل بعمق لغة الخطاب لقادة الجماعة فى الفترة الأخيرة لكى نصل إلى نتيجة مهمة هى أن جماعة الإخوان المسلمين قامت فى الواقع بانقلاب كامل على أسس الممارسة الديمقراطية الصحيحة. ويكفى للتدليل على ذلك تحليل تصريح الدكتور «بديع» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بعد أن حقق حزب الحرية والعدالة الأكثرية فى مجلس الشعب والشورى، من أن الجماعة اقتربت من تحقيق حلم مؤسسها الأول الشيخ «حسن البنا»، الذى يتمثل فى تأسيس الخلافة الإسلامية من جديد. وغنى عن البيان أن «الخليفة» الذى عادة ما يُختار عن طريق «البيعة» طبقاً للتقاليد الإسلامية القديمة، فكرة مضادة لأسس الديمقراطية المعاصرة. وذلك أنه فى النظم الجمهورية يختار رئيس الجمهورية بالاقتراع السرى المباشر لمدة محددة ويترك بعدها الحكم تطبيقاً لمبدأ تداول السلطة، أما «الخليفة» الذى حين يختار -أياً كانت طريقة اختياره- ويظل يحكم إلى ما شاء الله، إلى أن ينتهى أجله، فمسألة مضادة للديمقراطية. وقد أدت النشوة العارمة التى تحققت لقادة جماعة الإخوان المسلمين بعد نجاحهم الساحق فى الانتخابات النيابية إلى أن يكشفوا عن نزعة استعلائية بغيضة تشى بأن مفهومهم عن ذاتهم أنهم أسمى من جميع المسلمين! ويكفى أن نحلل تصريح الدكتور «مرسى» رئيس حزب الحرية والعدالة حين قرر -لا فض فوه- أنه إذا كان «عمرو بن العاص» قد فتح مصر وأدخلها الإسلام، فإن جماعة الإخوان المسلمين ستحقق الفتح الثانى لمصر!! فكأن المهمة التاريخية للجماعة هى أسلمة المجتمع المصرى ونقله من حالة الكفر إلى الإيمان! ويبقى المشهد الأخير الذى تميز بإثارة غير مسبوقة حين وقف الدكتور «بديع» المرشد العام للجماعة فى مؤتمر جماهيرى حاشد وبجانبه الدكتور «مرسى» المرشح لرئاسة الجمهورية وخاطبه قائلاً: «أحللتك من بيعتك التى أعطيتها لى»، وأجاب «مرسى»: هذه مسألة بالغة الصعوبة بالنسبة لى ولكننى أقبل بذلك فى سبيل مصر. وهكذا تسربت المفاهيم الدينية التقليدية، التى تتمثل فى البيعة التى تنص على السمع والطاعة بلا أدنى مناقشة، إلى صميم الممارسة الديمقراطية التى تؤمن بالحوار وترفض الإذعان المطلق والذليل من قبل أعضاء الحزب السياسى لرئيس الحزب. فليس فى الديمقراطية رؤساء أحزاب معصومون ينظرون إلى أعضاء أحزابهم كأنه لا شخصية لهم، وعليهم أن ينفذوا أوامر رئيس الحزب من دون مناقشة وإلا حلت عليهم اللعنة. وهكذا يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين بممارستها السياسية المتطرفة قد قامت فى الواقع بانقلاب كامل على أسس الممارسة الديمقراطية الصحيحة.