«أبوك اتصاب يا أحمد»!.. عبارة أشعلت النيران فى قلب الميكانيكى الشاب، فألقى بالمفك الذى كان يمسكه فى يده ولم يعط بالاً للموتوسيكل الذى كان يقوم بإصلاحه فى المحل الذى يعمل به، «فين وإزاى ومين؟» أسئلة ألقاها على صديقه الذى جاء ليخبره بالواقعة، ولكن حالة الذعر التى كان عليها صديقه لم يفهم منها سوى أن مسيرة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى اشتبكت مع أهالى منطقته، وأن والده هو أحد المصابين. أصوات طلقات الرصاص تهز قلب أحمد سالم، الشاب العشرينى، صوت تحطيم الزجاج يبدو وكأن زلزالاً شديداً يهز أرجاء المكان، وفى كل خطوة يخطوها نحو الشارع الرئيسى يدعو الله ألا يكون مكروهاً أصاب والده، وصل «أحمد» إلى شارع جسر السويس أمام مستشفى منشية البكرى متسللاً عبر الشوارع الجانبية، بحثت عيناه عن والده وسط الموجودين، فهناك كان يقف المئات يقذفون الزجاجات والحجارة على البيوت والمحلات. وفى الجانب الآخر يقف بعض الملثمين يطلقون طلقات الرصاص الحى والخرطوش على أبناء المنطقة. وأخيراً وجد الشاب والده، كان الأب مغشياً عليه فوق الأرض بينما تملأ منطقة صدره وبطنه طلقات الخرطوش، حاول الابن إفاقته لثوان مرت عليه كالدهر، وفجأة فتح الأب عينيه ونظر إليه محاولاً طمأنته على نفسه، نظر «أحمد» إلى صديقه فوجده يشير إليه بعلامات فهم منها أن بعض البلطجية فى طريقهم لإشعال محطة البنزين، فطلب من والده أن يستريح فى مكانه حتى يذهب مع أصدقائه ليقيموا حائط صد أمامهم لعلهم يمنعونهم من كارثة قد تطال المنطقة بأكملها، ولكن وابلاً من الرصاص كان فى انتظار الشابين حاولا تفاديه، وفجأة سقط «أحمد» برصاصة اخترقت رأسه ليلقى ربه على الفور. دموع الأب لم تتوقف دقيقة واحدة منذ وفاة ابنه، يحاول جاهداً أن يتماسك فتنهار قواه فور أن يدرك أن ابنه الأكبر لن يعود إليه من جديد، يتذكر ملابس العيد التى اشتراها الابن قبل وفاته بأيام وكيف أنه اشترى لإخوته ملابسهم الجديدة أيضاً: «يا ترى كنت حاسس يا ابنى إنك ماشى خلاص وإنك هتعيّد عند ربك»، هكذا يتمتم ثم يعود لينهمر فى البكاء. «كان معاهم كل أنواع الأسلحة وإحنا مفيش فى إيدينا حاجة نعملها»، هكذا يقول الأب المكلوم، ويضيف: «المنطقة كلها تحولت لساحة حرب فى ثوانى وإحنا مش فاهمين هو فيه إيه، كل اللى سامعينه هتافات الله أكبر، وكل اللى يحاول يهديهم أو يتفاهم معاهم يسحلوه». وتقول «أميرة»، شقيقة الشهيد، إن شقيقها قال لها: «عاوز أشرب شاى يا أميرة».. «قالها لى قبل أن يذهب كل منا إلى عمله ثم فوجئت به وقد جاء فى منتصف النهار على غير عادته قائلاً: (جيت عشان أسلم عليكى وأروح تانى مش عاوزة منى حاجة؟)».