الفريق سامى عنان، الذى كان الشريك الأنشط إبان حكم المجلس العسكرى الذى أعقب نجاح الموجة الأولى للثورة المصرية فى 25 يناير 2011، والذى كان الأنشط أيضاً فى عملية تسليم السلطة فى البلاد للإخوان ثم حصل على وسام الجمهورية وتقاعد صامتاً، بدأ حملته للرئاسة من مرسى مطروح يوم 20 سبتمبر الجارى، وكان مقرراً أن يتلوها بزيارة السويس، لكن رد الفعل الشعبى والإعلامى الرافض لترشحه قد دفعه لإلغاء تلك الزيارة، قبل أن ينفى أنه قرر الترشح، ثم عاد ليؤكد أنه أرجأ فقط حملته بناء على تأكيدات من المجلس العسكرى بمدّ المرحلة الانتقالية لمدة عام آخر!! حالة تخبط يشكك خلالها عنان فى مدى التزام الحكم بخارطة المستقبل!! وأخيراً خرج علينا بمذكرات «يبيع» فيها المشير طنطاوى شريكه ورئيسه فى المجلس العسكرى الحاكم سابقاً، بعد أن باع من قبل مبارك عندما اتهمه بأنه «أصدر أوامر رئاسية بسحق المتظاهرين ومساواة ميدان التحرير بالأرض لكنهم لم يفعلوا». التالى مجرد ملاحظات سريعة على ما أورده عنان فى مذكراته المنشورة ب«الوطن».. *** أولاً: حاول أن يؤكد أن زيارته للولايات المتحدة فى 23 يناير 2011، أى قبل الثورة بأقل من يومين لا صلة لها بالثورة وأحداثها المتوقعة، ولكن.. حتى لو كانت تلك الزيارة قد تمت فى إطار لجنة التنسيق والتعاون العسكرى المصرى الأمريكى، والتى تُعقد سنوياً، والتى كان مقرراً لها أن تُعقد فى أكتوبر 2010 وتأجلت لظروف الانتخابات البرلمانية فى مصر، فإن اختيار الموعد الجديد فرض أن يكون موضوع الثورة هو الموضوع الرئيسى على مائدة البحث، فالولاياتالمتحدة بالنسبة لمصر ليست مجرد بائع أسلحة، ولا تاجر قمح، لكنها الحليف الاستراتيجى الأقوى، وأى تغيير سياسى فى مصر يعنيها بنفس قدر ما يعنى النظام الحاكم ذاته. ومن المؤكد أنه بقدر اهتمام الولاياتالمتحدة بمعرفة كيفية تعامل الجيش مع المظاهرات الشعبية بقدر اهتمام عنان بالتعرف على هامش الحركة المسموح به للجيش فى التعامل مع الثورة، وكذا حدود التأييد الأمريكى لحسنى مبارك.. ونلاحظ هنا أن الاستفسار الأمريكى بشأن التعامل مع المتظاهرين كان موجهاً للجيش؛ لأن المعلومات التى كانت متوافرة لدى أجهزة الأمن الأمريكية كانت ترجح أن الداخلية لن تستطيع الصمود أمام ضخامة وزخم المظاهرات الشعبية، وأن القوة الحاسمة على الأرض ستكون القوات المسلحة. ثانياً: حاول عنان أن يؤكد أن قرار عدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين كان قراره هو -وليس قرار المشير طنطاوى- بحكم مسئوليته كرئيس أركان عن القوات فى الميدان، متغافلاً أن هذا القرار ينطلق أساساً من العقيدة القتالية للقوات المسلحة المصرية، وأنه حتى لو قرر عدم الالتزام بما تفرضه تلك العقيدة فإن أعضاء المجلس العسكرى -الشريك الرئيسى فى أى قرار استراتيجى- لن يوافقوا عليه، لأن الضباط والجنود فى الميدان لن ينفذوه حتى لو صدر إليهم.. ليست تلك بطولة من سامى عنان، لكنها قيم حاكمة للجيش المصرى. ثالثاً: إن الانطباع الذى خرج به عنان من مباحثاته مع الأمريكان هو أن «المتغطى بهم عريان» على حد قوله، لأنه أدرك أنهم قد باعوا نظام مبارك بعد أن أثمرت اتصالاتهم مع الإخوان، سواء فى القاهرة خلال مقابلات مرسى وأحمد عبدالعاطى مع ضابط المخابرات الأمريكى، أو استكمال تلك المقابلات فى تركيا بين عبدالعاطى وضابط المخابرات الأمريكى هناك، فضلاً عن المباحثات التى تمت فى بروكسل مع الإخوان بشأن الترتيبات الإقليمية المتعلقة بتبادل الأراضى فى إطار تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، تلك هى النتيجة التى خرج بها عنان.. لقد باع الأمريكان حسنى مبارك لحساب الإخوان. رابعاً: إن عنان كان له رأى فى خطاب مبارك الأول واعترض على عدم إقالته للحكومة واصفاً له بالضعف والتردد.. فلماذا إذن لم يقدم لمبارك تلك النصيحة خلال الاجتماع التالى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة؟! أو حتى فى إطار علاقته الثنائية الحميمة معه والتى تسمح بتناول مثل هذه الأمور؟! واذا كان عنان يعتبر أن ما كان يُعرض على مبارك من معلومات عن الموقف على الأرض لم يكن يعكس الواقع، فلماذا لم يقدم له المعلومات الصحيحة وهو المسئول عن أوضاع القوات المسلحة المصرية على الأرض؟! خامساً: أكد عنان أن فكرة الانقلاب الناعم على مبارك كانت فكرته، وأن المشير طنطاوى لم يُبد تحمساً لها، وأنه كان على ثقة من دعم الشعب للفكرة، دون أن يبرر لماذا اختلف فكره وتوجهاته عندما تعرض لصفعة قوية مهينة ومخزية من الرئيس مرسى عندما أطاح به وبالمشير دون أن يحرك أى منهما ساكناً.. ولم يفسر لنا لماذا غابت عن ذهنه آنذاك توجهاته الانقلابية؟! سادساً: ادعى عنان أنه أدرك أن الإخوان قد سعوا لاستثمار الثورة فى تحقيق أهدافهم ومصالحهم الخاصة، وأن الهاربين من سجن وادى النطرون بمساعدة حماس وحزب الله قد سعوا لإسقاط الدولة.. فإذا كانت تلك رؤيته فلماذا صمت عليهم حتى سيطروا على البرلمان واحتلوا قصر الاتحادية بينما هو واقف يؤدى التحية العسكرية لمرسى، ثم لماذا انفرجت أساريره معبراً عن الامتنان والعرفان وهو يتلقى من مرسى وسام الجمهورية أمام كاميرات الفضائيات والصحف والوكالات العالمية؟! سابعاً: أسند عنان لنفسه وحده -فى غياب المشير طنطاوى- فضل إصدار بيان القوات المسلحة فى الأول من فبراير، والذى كان رسالة طمأنة للشعب والقوى السياسية بأن الجيش سينحاز للشعب بلا تردد أو مساومة، وعاد ليؤكد تلك الحقيقة بإظهار موقف المشير -خلال اجتماع المجلس العسكرى برئاسة مبارك مساء نفس اليوم- بالخذلان، وأنه قد تكفل عنه بالرد عن سؤال مبارك بشأن بيان الجيش وما يعكسه من موقف تجاه حماية «شرعية الرئيس». ثامناً: نفى عنان أن الجيش قد سلم السلطة للإخوان من خلال صفقة «الخروج الآمن» لأعضاء المجلس العسكرى، ودلل على ذلك برفع الإخوان شعار «يسقط حكم العسكر».. والحقيقة أن الإخوان كانوا يرفعون هذا الشعار فى الشارع تعزيزاً لموقفهم التفاوضى مع المجلس العسكرى، والذى انتهى بالفعل بعزل أعضاء المجلس، مع تكريم كل منهم بصيغة مختلفة عن الآخر.. أوسمة.. أنواط.. نياشين.. مناصب بالملحقيات العسكرية بالخارج .. فماذا يعنى ذلك غير الخروج الآمن؟! بل إن عنان برر إلحاق عناصر إخوانية بالكليات العسكرية بأن الجيش كانت تسيطر عليه النزعات العقائدية منذ ثورة 1952، وهو أمر غير صحيح على إطلاقه وإلا لما حافظ الجيش المصرى آنذاك على وحدته التنظيمية، ولما كان قد نجح فى التصدى للإخوان. تاسعاً: برر عنان إصرار المجلس العسكرى على البدء بالانتخابات التشريعية بأن البدء بالدستور كان يتطلب وقتاً طويلاً.. لكن ذلك محاولة فاشلة من عنان للتلاعب بالتاريخ؛ فالشعب وافق فى استفتاء مارس على تعديل عدة مواد فى دستور 1971 على أساس استمرار العمل به، لكنه فوجئ ودون مقدمات بصدور إعلان دستورى جديد تماماً.. فما مبرر ذلك التعديل غير القانونى فى المسار والذى يتعارض مع الإرادة الشعبية التى عبرت عنها نتيجة الاستفتاء؟ عاشراً: حتى الأسئلة التى طرحها عنان فى نهاية مذكراته واعتبر أن إجاباتها معروفة وبديهية كانت نوعاً من التدليس.. * فالاستفتاء، وإن لم يشهد تزوير الأصوات بالصناديق، إلا أنه شهد حشداً دينياً من جانب الإخوان وصل إلى حد تكفير الرافضين للتعديلات الدستورية، بل إنهم وصفوا الاستفتاء بأنه غزوة الصناديق. * وانتخابات مجلس الشعب تم حسمها برشاوى الزيت والسكر والبطاطس، وشراء أصوات الفقراء. * أما مجلس الشورى فحسمه غياب المرشحين المدنيين وامتناع الشعب عن المشاركة فى التصويت لعدم قناعته بأهمية وجود المجلس. * ثم لماذا لم يسيطر المجلس العسكرى على تدفق الدعم المادى من الخارج على الإخوان والجمعيات السلفية لتمويل حملاتهم الانتخابية. * وفى الانتخابات الرئاسية تكرر نفس مشهد شراء الأصوات، وزاد عليه صمت المجلس العسكرى على قرابة 2 مليون صوت تم تزويرها فى المطبعة الأميرية، فضلاً عن منع القرى المسيحية بالصعيد من التصويت . * ولم يعلق عنان على ما تسرب من وثائق تتعلق باتفاق تم بين المجلس العسكرى ولجنة الانتخابات على تعديل النتيجة لصالح مرسى تجنباً لتهديدات الإخوان بإحراق البلد، وهى الوثائق التى لم تخرج أى جهة لنفى صحتها، كما لم تقدم أى جهة مبرراً لتنحى كافة القضاة عن قضية تزوير انتخابات الرئاسة التى رفعها المرشح المنافس أحمد شفيق. *** مذكرات سامى عنان هى ليست بالمذكرات.. ولكنها ردود على تساؤلات، ومحاولات تبرئة من اتهامات وجهها الشعب والإعلام على نطاق واسع له بعد أن أعلن عن بدء حملته الانتخابية للرئاسة من مطروح يوم 20 الجارى، وهو ما قد يبرر هجومه على الإعلام واتهامه له بدعم الإخوان.. والحقيقة أن هذه الردود ومحاولات التبرئة لم تحقق سوى زيادة الشكوك وتعميق مبررات الاتهام. هل كانت تلك المذكرات خطأ جسيماً ارتكبه عنان فى حق نفسه وحق المجلس العسكرى الذى حكم مصر منذ ثورة 25 يناير قبل أن يسلمها للإخوان.. لقد اعترف عنان بذلك عندما قال فى كلمته بمطروح: «لقد وقفنا مع الرئيس المعزول فى الانتخابات الرئاسية، لكنه لم يكن على قدر المسئولية وانحاز لجماعة الإخوان».. ترى هل تفتح تلك المذكرات الملفات المسكوت عنها.. أم سينجح عنان فى إغلاقها قبل أن تحرقه وتحرق شركاءه فى المسئولية خلال مرحلة من أخطر مراحل التاريخ المصرى المعاصر؟!