أفرجت الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة عن 13 شريطا وثائقيا هاما تضم شهادات نادرة وحصرية، وبدأ برنامج "هنا العاصمة" الذي تقدمه لميس الحديدي على قناة CBC الفضائية، عرضها مساء أمس في سلسة من أربع حلقات، كانت الأولى تحت عنوان "الصمود والتحدي"، وضمت شهادات لأبطال الحروب المصرية. ويوثق هذا الشريط لحقبة هامة حملت تحولات جذرية في القوات المسلحة، وكانت الهزيمة بمثابة اشتداد لأعراض مرضه أعقبه الشفاء، وإرهاصات لنصر محقق بعد هزيمة، من خلال التعلم من الأخطاء، فهي حقبة هامة عبَّر فيها الشعب عن مكنون قوته وعمق أصالته، وأنه اختار الحرب حتى النصر، وصموده في أحلك الأوقات وصنع المعجزات، وذلك في شهادات لأبطال عظام رحلوا عن حياتنا، لكن شهاداتهم تعد توثيقا لتاريخ طويل من النضال. وقال الفريق أول متقاعد محمد فوزي وزير الحربية من عام 1968 إلى 1971، إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر طلب مقابلته وقابله بالفعل، وكان لقاء مثمرا، تم فيه التطرق لموضوعين سياسيين، الأول كان عزم مصر على عدم الاعترف بالهزيمة وعدوان 67، والثاني كان إعادة بناء القوات المسلحة مرة أخرى. ووافقه في الرأي اللواء أركان حرب متقاعد أحمد زكي عبدالحميد رئيس هيئة التنظيم والإدارة بين عامي 1967 و1970، مضيفا أنه تم إعادة بناء قوات جديدة وإعادة تنظيم، سواء في الحجم أو المضمون، وأعطى مثلا قائلا إنه "بعد 67 كان الجيش تحول لوحدات متناثرة، وبعد أقل من عام جمعنا خمسة فرق على الجبهة، وبعد ذلك كان الفرد هو المناسب لديه الأسلحة المناسبة". وأوضح أمين الهويدي وزير الحربية ومدير المخابرات العامة السابق، أن أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي كانوا يستحمون في قناة السويس، ووقف موشيه ديان بجانب الهاتف في انتظار مكالمة من الجانب المصري لتوقيع وثيقة الاستسلام، لكن وصله الرد في رأس العش، حيث تصدت القوات المصرية لقواته التي كانت تريد التقدم شمالا لاحتلال بورسعيد، وكان هذا دليلا على رفض الهزيمة، وإيذانا بأن الإرادة المصرية ما زالت موجودة. وعن معركة رأس العش، كشف اللواء السيد الشرقاوي قائد كتيبة الصاعقة في رأس العش، أنه في ليلة الأول من يوليو كانت هناك 13 قطعة مدرعة تابعة لإسرائيل تحاول اقتحام بورفؤاد، لكن قوة الصاعقة بأسلحتها الخفيفية تصدت لها بتعليمات من القيادة السياسية في ذات الوقت، وتمكنت من تكبيدها خسائر كبيرة. وأكد اللواء أركان حرب أحمد عبدالحليم الخبير الاستراتيجي، أن "العدو بدأ في ذلك الوقت بعمل مجموعات استراتيجية داخل سيناء، الأمر الذي تطلب في يوم 14 يوليو أن تقوم القوات الجوية بضربة مباغتة لهذه القوات". وقال الفريق مدكور أبوالعز قائد القوات الجوية بعد حرب 67، إن سلاح الطيران ضرب التجمعات الإسرائيلية، ما جعل إسرائيل تستجدي مصر لوقف إطلاق النار. كما أشار اللواء بحري لطفي جاد الله قائد لنش صواريخ في عام 67، إلى أن القوات أطلقت صاروخا على المدمرة الإسرائيلية. فيما أوضح اللواء أركان حرب أحمد فخر مدير المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن "إسرائيل كانت تتخيل أن مصر سترفع سماعة الهاتف وتعلن استسلامها"، مضيفا: "بس دي مش مصر"، وتابع: "وجدنا إسرائيل تطلب عقب عملية إيلات وقف إطلاق النار حتى يتسنى لها العثور على جثث القتلى، لأنه في العقيدة الإسرائيلية لا يوجد توريث طالما لم تعد جثة المتوفي ويتم دفنها". ولفت اللواء أركان حرب متقاعد حسن الجريدلي من هيئة عمليات القوات المسلحة من 68 إلى 70، إلى أنه "بدأ التركيز على الجبهة في حماية الوضع الجديد، ووضعت خطة للدفاع عن قناة السويس وأعماقها، تخدم انتشار القوات وتخدم الجولة المقبلة، كما تسمح بعمليات مستقبلية". وقال اللواء أركان حرب شوقي فراخ رئيس مهندسي الجيش الثاني، إنه "في نهاية 67 بدأت أعمال المهندسين بتجهيز المسرح والاستعداد لأعمال نشطة هجومية، وتم إنشاء خنادق لفرق المشاة في الجبهة تكفي نصف مليون مقاتل، بلغ أطوها ألف كيلومتر، وجهزنا لوحدات المدفعية مرابض النيرن". أما اللواء أركان حرب حسن كامل مساعد وزير الحربية للدفاع الجوي عام 68، فأشار إلى أن تشكيل قيادة قوة الدفاع الجوي كفرع مستقل بالقوات المسلحة كان نقطة فاصلة في تاريخ الجيش المصري. وأضاف اللواء أركان حرب عبدالتواب هديب مدير المدفعية خلال فترة وفاة الشهيد عبدالمنعم رياض، أنه صاحَبَ الشهيد في جولة مروره الأخيرة وسط الضباط والجنود، وهنأهم بنجاحهم في هذا اليوم، وكاد الأمر ينتهي عند هذا الحد، إلا أن الفريق أصر على زيارة موقع قريب من العدو ليطمئن على استعدادات الجيش، ورغم التحذيرات قال إنه "جندي مثل أي جندي على الجبهة"، وذهب بالفعل ولبس الخوذة الحربية وشاهد المدفعية، لكن "عندما ابتعدنا بضعة أقدام سقطت طلقات العدو علينا، فلجأ الفريق إلى حفرة قريبة ليحتمي بها، وسرعان ما اشتعل الموقف، وشاءت الأقدار أن تأتي طلقة مباشرة في حفرة الفريق لينال الشهادة، ويتم إصابتي في كتفي إصابة مباشرة لا زال أثرها موجودا حتى الآن". وأوضح اللواء أركان حرب متقاعد أحمد فخر أن "من هنا بدأت فكرة أن وجود العدو بجانب القناة له ثمن حقيقي"، مضيفا أن هذه كانت بداية حرب الاستنزاف، التي كتبت تاريخا كاملا من البطولات لمصر. وعن حرب الاستنزاف، تكلم المشير محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي خلال حرب 1973، حيث أكد أنها مدرسة تعلم منها الأفراد والجنود والقادة أساليب القتال الحقيقية.