التقيت الأستاذ كمال الهلباوى، القيادي السابق في جماعة الإخوان، منذ عامين، ضمن لقاءات قمت بتسجيلها لفيلم "التنظيم" الذي يتناول نشأة التنظيم الدولي للإخوان، والذي سلط الضوء على قيادات هذا التنظيم في العاصمة البريطانية "لندن"، والشركات والمؤسسات الإعلامية وغيرها التي يديرونها هناك، ولَم التق الهلباوي من وقتها. أتذكر كل النقاشات التي دارت بيننا قبل وأثناء وبعد التسجيل، فهو لم يخرج من عباءة جماعة الإخوان، مازال إخوانيا مقتنعا اقتناعا تاما بأفكار مؤسس الجماعة حسن البنّا الذي يصفه دائما بالشهيد، وخلافه الوحيد مع الجماعة أنها انحرفت عن أفكار ووصايا مؤسسها البنا. وكانت دوافع خروجه عن الجماعة وانتقاده لها في العلن، وتأييده لثورة 30 يونيه مشابه تماما لدوافع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فالدوافع واحدة وعلى رأسها الخلاف التنظيمي مع مكتب الإرشاد وقتها لكن تظل "العقيدة الإخوانية" ثابتة لديه لم يتمرد عليها قط. الهلباوى، عاد لمصر عقب ثورة 25 يناير 2011، بعدما كان مقيما في لندن وكان يشغل منصب المتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان في الغرب، ولا يزال على علاقة جيدة مع كل قيادات التنظيم الدولي. واللافت للنظر أن الهلباوى، لم يستوعب حجم التغيير الذي تم في مصر خلال الخمس أعوام الماضية، ولم يستوعب أن الدولة أصبحت أكثر ثباتا وتماسكا، ولَم تعد تعير الضغوطات الخارجية اهتماما، وأصبحت تملك القدرة الكاملة للقضاء على التنظيمات الإرهابية كافة، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان، وكانت فاتورة المواجهات مع هذه التنظيمات باهظة دفع ثمنها عدد كبير من شهداء الجيش والشرطة والمدنيين، لكنها كانت واجبة للحفاظ على هذا الوطن من الانهيار والتفتت، كانت واجبة ليصبح هذا التنظيم من الماضي. ورغم هذا فإن "الهلباوي" الذي يقيم في لندن حاليا، ومازال يحتفظ بعضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان، خرج علينا بمبادرة للمصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، مقترحا تشكيل مجلس حكماء من شخصيات مصرية وعربية ودولية، تضم كلا من عبد الرحمن سوار الذهب، الرئيس السوداني السابق، ومرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، وعبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق، والصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي المعارض في السودان. الأمر الذي يعد انتقاصا واضحا للسيادة المصرية، ظناً منه أن الدولة يمكن أن تسمح لشخصيات غير مصرية بالتدخل في شئونها الداخلية، وأن الدولة والشعب يمكن أن يسمحان بعودة الإخوان للمشهد مرة أخرى بعد ما اقترفوه من جرائم وإرهاب ضد المصريين وضد الإنسانية.أظن أنه بات على الأستاذ كمال الهلباوي، أن يعيد حساباته مرة أخرى ويعلم أن الدولة المصرية عادت أكثر تماسكا، وأنه من المعيب أن يساوي بينها وبين تنظيم إرهابي انتهى من القاموس السياسي والاجتماعي المصري، فلا تصالح مع من تلطخت أيديهم بدماء المصريين.