كان يقف متجهماً أمام منصته التى تحمل شعار الأممالمتحدة، يعلن للمرة الأولى أمام دول العالم جميعاً أن الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى، جاءت بناءً على رغبة شعبية واستجابة لمطلب الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع بعد أن رأوا ثورتهم تتخذ منحى خاطئاً، ليقف العالم مذهولاً. بخطابه هذا، غيَّر توازنات اللعبة، فالإخوان راهنوا على تدخل الرئيس الأمريكى لإنقاذهم وإعادة المعزول إلى الحكم، والآن أصبح رهانهم بلا طائل ولا فائدة. لم يكن خطاب الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، مفاجئاً فقط فى الاعتراف أخيراً بأن ما حدث كان بناءً على رغبة الشعب، وإنما أيضاً فى الاعتراف بأن انتخاب مرسى ديمقراطياً لا يشفع له كونه فشل فى الحكم. كان الإخوان يتشدقون بكون الرئيس الأمريكى يرفض ما حدث فى مصر ويعتبرونه مؤيداً لما يسمونه ب«الشرعية»، وفجأة انقلب الوضع رأساً على عقب، الإخوان يسبون أوباما ويصفونه ب«داعم الانقلاب والإرهاب». ربما كان خطاب أوباما الأخير، أمام الأممالمتحدة، بمثابة مراجعة لمواقفه السابقة، ليس فيما يتعلق بمصر فقط، وإنما ما يتعلق بخريطة العالم بأكمله، خاصة بعد أن كاد يخسر نفوذه فى الشرق الأوسط لصالح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وبعد الأزمة السورية التى كادت تعصف بآخر قطرة من النفوذ الأمريكى فى المنطقة. أخيراً أدرك الرئيس الأمريكى أن الواقع فى مصر فرض نفسه بالفعل، وأنه لا جدوى من محاولات ادعاء عدم دعم فصيل بعينه فى مصر، فى الوقت الذى يعمل فيه بشتى الأشكال الممكنة على إنقاذ حلفائه من الإخوان. يبدو أن أوباما بعد أن فقد أفضليته فى سوريا، لم يرد أن يخسرها أيضاً فى مصر، خاصة بعد أن خرج الرئيس الروسى عن صمته للمرة الأولى منذ أسابيع، ليعلن أن بلاده تدعم مصر فى حربها ضد الإرهاب. بدايةً، حاول الرئيس ال44 للولايات المتحدة عدم التورط فى أى عمل من شأنه أن يفقده أهم حليف استراتيجى له فى الشرق الأوسط، ويوماً بعد يوم، زادت حدة الصراع إلى أن وصلت لتعليق المساعدات الأمريكية، لتخرج دول الخليج تعلن تقديمها مساعدات بديلة بمبالغ تصل إلى عشرات أضعاف المبلغ الذى تقدمه واشنطن. وجد الرئيس الأمريكى نفسه معزولاً عن العالم فجأة، العالم يسير فى سبيله وهو واقف لا يتحرك يهدد بالنفوذ الأمريكى. ربما كان أصعب درس تعلمه أول رئيس أسود فى تاريخ الولاياتالمتحدة، هو أن النفوذ الأمريكى فى العالم أجمع آخذ فى الانحسار، وأنه لم يعد هناك مجال للتهديد باستخدام القوة أو أوراق الضغط السياسية. فجأة أصبحت الانتقادات تأتيه من كل حدب وصوب، سواء كان داخلياً أم خارجياً، ليدرك رئيس أقوى دولة فى العالم -متأخراً- أنه أسوأ من تحكم فى المصالح الأمريكية.