بملامحه السمراء، وطوله الفارع، ولهجته الصعيدية التى لا يزال يحتفظ بها رغم وجوده فى القاهرة منذ أكثر من 30 عاما، وقف على رضوان (61 عاما) حارس أحد العقارات بإحدى أرقى مناطق مدينة نصر لينظم بنفسه مائدة الرحمن التى تقام يومياً بالقرب من النادى الأهلى، لا يتحمل تكاليفها بنفسه، لكنه مسئول عن كل شىء فيها، بعد أن رأى صاحب المائدة، وهو أحد رجال الأعمال، أن رضوان هو الأنسب لتلك المهمة الصعبة. قبيل أذان المغرب بساعة كاملة، يستعد رضوان ومعه أبناؤه التسعة للتحضير لتلك المائدة التى تكفى أكثر من 150 شخصا. يبدأون فى فرش الطاولات والمقاعد البلاستيكية لاستيعاب العدد القادم، ولكل من أفراد عائلته مهمة، فالابن الأصغر يتولى عملية تسلم العصائر التى سيفطر عليها الصائمون، أما ابنه الأوسط فيتسلم الوجبات الجاهزة التى يجلبها صاحب المائدة من أحد محلات الطعام، أما رضوان شخصيا فيشرف على احتياجات الحاضرين الذين يبدأون فى التوافد بداية من الساعة السادسة مساء. الإفطار فى المائدة يتناسب مع وجودها فى أحد أرقى أحياء وشوارع القاهرة، فالفطور اليومى مكون من الأرز والمكرونة والخضراوات واللحم والفراخ، بالإضافة إلى العصائر والحلوى التى تُقدم بعد الإفطار. من الطبيعى فى مائدة «عم رضوان»، كما يطلقون عليها، أن تجد سيدة تركن سيارتها أمام المائدة، وتحمل فى يديها صينية من الطعام توزعها على الحاضرين، وغيرها كثير، ليصبح الأمر كما يقول رضوان «الخير خيرين»، ويكمل رضوان: «صحيح الظروف بقيت صعبة وأهل الخير بقوا أقل من السنين اللى فاتت، لكن مصر دايما عمرانة، وستات كتير بيطبخوا وييجوا يوزعوا الأكل، وأفتكر أحد جيرانى اللى كان متعود كل يوم ييجى ومعاه فى جيبه أربعة آلاف جنيه يوزعها بيده على جميع الحاضرين، ليأخذ كل منهم نصيبه من الصدقة الجارية». زبائن المائدة عادة لا يتغيرون، حيث أصبحت معروفة فى المنطقة بسبب وجودها فى نفس المكان منذ عدة سنوات، فغير عابرى السبيل الذين يأتونها يوميا، هناك ضيوف ثابتون فى تلك المائدة، منهم على سبيل المثال «غريب حفظى» الذى يبلغ من العمر 35 عاما، جاء خصيصا من محافظة بنى سويف بسبب قلة فرص العمل هناك ليحصل على وظيفة «عامل» فى أحد المكاتب الخاصة الموجودة بالقرب من المائدة، مرتبه الضئيل لا يكيفه لشراء طعام متنوع للإفطار يوميا، فوجد فى تلك المائدة ضالته التى يبحث عنها، أما صديقه «رجب فتحى» (25 عاما) فهو أيضاً تتشابه ظروفه مع حفظى، حيث يعمل فتحى «أوفيس بوى» فى نفس المكتب، وبالتالى لا يعمل طوال شهر رمضان بسبب صيام جميع الموظفين، فيضيع وقته فى الاهتمام بالتكنولوجيا والدخول على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر». حتى فى ساعة الإفطار، السياسة هى البطل فى أحاديث الحاضرين، فما يفعله الرئيس مرسى، وما لم يفعله أيضا، هو الحديث الغالب على المائدة، فهنا يشيد رجب بقراراته ويتحدث بحب شديد عن أول رئيس منتخب كما يطلق عليه، أما «أحمد عبدالله»، من المائدة المجاوة له، فينتظر من مرسى توفير رغيف العيش «أبوشلن»، لربما يغنيه عن الاحتياج للآخرين، يؤيده رجب ويشتكى هو الآخر من أن فى محافظته بنى سويف اضطر المواطنون إلى التظاهر من أجل توفير رغيف العيش فقط رغم كونه حقا أصيلا. بعد أن يطمئنَّ عم رضوان إلى أن الجميع حصل على إفطاره بشكل كامل، يبدأ هو وعائلته بعد الأذان بأكثر من ساعة، فى تحضير مائدة خاصة بهم ليبدأوا فى كسر صيامهم والدعاء إلى الله: «أنا بادعى كل يوم إن ربنا يكرم الناس وأحوالهم تتحسن وما يحتاجوش يفطروا فى موائد رحمن».