مر أسبوع كامل وأنا في انتظار حدث جديد، أو رسائل من "زائر نص الليل"، اعتدت على عدم حدوث شيء مثير في هذه الفترة، إلا أن هناك أمرًا لاحظته يحدث كل يوم وفي الوقت ذاته، الثانية صباحا، أرى ذلك القط الأسود على شباك جاري "محسن" في العمارة المقابلة. ضوء خافت ينير الغرفة وقت مرور القط، وتظهر خيالات تمر بسرعة جنونية من أمام النافذة، على مدار 4 أيام متتالية والمشهد يتكرر، وفي الصباح اليوم الخامس توجهت إلى "محسن" وقررت أن أخوض هذه التجربة الجديدة. وقفت في مدخل العمارة أبحث عن البواب لكني لم أجده، بعدها صعدت مباشرة إلى الطابق الثاني، كان عباة عن شقة واحدة وطرقت الباب، دقيقة ولم أجد ردا سوى مواءً من داخل الشقة واعتقدتها ذلك القط الأسود، ونزلت إلى الشارع بعدها واستغربت جدا من عدم وجود البواب، على الرغم من أنني كنت أراه ليلا جالسا على الدكة الموجودة أمام العمارة. ذهبت إلى الشيخ سعيد، لاستفسر منه عن الأشياء التي رأيتها وواجهتها، وسر قوة الماء الموجود في الزجاجة الصغيرة ولماذا لم ينفد حتى الآن؟!، ضحك سعيد كثيرا وقال: - ليس الآن يا أحمد، واصبر. = أخبرني عما في الزجاجة الآن. - لا تتعجل واترك كل شيء لأوانه، أنت على الطريق الصحيح. مرت ساعتين، بعدها قررت أن أذهب إل البيت وودعت الشيخ سعيد، وقبل أن يغلق الباب قال: - أوعى تخاف من القط، مش قوي. = أنت عرفته - والحاجة التانية أياك تركز مع البواب أو تبص في عنيه وقت طويل. = هو مين؟!، وإيه اللي هيحصل. - أنا قولتلك كتير وساعدتك.. وأوعى تخاف. بعدها أغلق الباب، ونزلت وأنا في حيرة من أمري، كيف علم كل هذا؟ وماذا سأفعل مع القط؟ وكيف سأحذر "محسن" من هذا، وهل يقبل بكلامي أم لا؟ ظللت أفكر كثيرا حتى وصلت إلى البيت، ودخلت غرفتي، وكانت الساعة تشير إلى ال11 مساء. أطفأت الأنوار وأردت أنا ارتاح قليلا، لكن صوت طرق الباب جعلني متيقظا، إنه أخي الصغير هشام: - مالك يا إتش فيه إيه؟ = سامع صوت قطط كأنها في البيت وبتتخانق. - أنت بيتهيألك يا إتش.. ادخل نام واقفل الشباك كويس. = على فكرة الصوت مش من بره.. مش من الشارع. - أومال منين يا نجم. = الصوت خارج من هنا.. وكمان فيه صوت خربشة كمان على الباب. - أنت شكلك كده فاصل.. ادخل نام ومفيش حاجة من الكلام ده. خرج هشام من الغرفة، بعدها بدقيقة بدأت أستمع إلى صوت القطة والذي بدأ يعلو تدريجيا لدرجة أنني ظظنت أنه قط عملاق، وفجأة خرج من أسفل السرير قط أسود بعينين لامعتين، وبعدها قفز إلى النافذة واختفى، تحركت من مكاني في تردد ونظرت إلى الشارع لأجد بواب العمارة المقابلة جالسا في مكانه، وذلك القط على نافذة "محسن". ارتديت ملابسي بسرعة، وأسرعت لأعرف حقيقة هذا القط ومن أين يأتي؟ وهذه المرة لم أجد البواب أيضا، وطرقت باب محسن وفتح الباب، ونظر لي باستغراب، وسألني: - مين حضرتك؟ = أنا أحمد جارك.. ساكن قصادك بالعمارة اللي في وشك. - أهلا وسهلا يا أستاذ أحمد.. خير؟ = هنتكلم على الباب كده؟ - اه معلش.. نسيت أقولك اتفضل. = ولا يهمك.. أنا كنت جاي ليك في موضوع ممكن يكون غريب شوية. - احكي يا أستاذ أحمد أنا سامعك كويس. = فيه قط أسود بقاله فترة بيظهر مع خيالات كتير عندك هنا، وده بقاله أسبوع. - نعم؟!.. إزاي الكلام ده. = والله بيحصل والنور كل مرة ينور وأشوف الخيالات اللي بتتحرك والقط بعدها بيختفي. - حضرتك أنا لسه راجع النهارده.. لأني كنت مسافر ومعرفش أي حاجة. = طيب ما تسأل البواب يمكن يكون عنده تفسير. - البواب إيه يا أستاذ.. أنت شارب حاجة ولا إيه. = ليه بس الكلام ده يا أستاذ محسن أنا بحكيلك على اللي شفته. - يا أستاذ البواب ميت من 3 شهور ومفيش حد لسه جه العمارة، لأن لو جه أنا هعرف أول واحد لأني صاحب العمارة. = البواب مات، وأنت مسافر.. أمال مين اللي كان بيكون موجود هنا، ومين اللي شفته تحت على الدكة ده. مرت عدة أيام وأنا أراقب ما يحدث على نافذة محسن وخلفها، والبواب اللي كل مرة يظهر ويختفي، بعدها سمعت طرقا شديدا على الباب كان بطريقة هيستيرية، وجدته محسن فتح بسرعة وقالي: - أختي الصغيرة صحيت من النوم مفزوعة وبتصوت أوي ومش عارف أعمل إيه، ومفيش حد غيرك أعرفه دلوقتي وممكن أروحله. = اهدى بس وقولي فيه. - مش وقته تعالى معايا أرجوك. نزلنا مسرعين إلى شقة محسن، وجلسنا بجوار أخت محسن الصغيرة، عمرها وقتها كان 6 سنوات، وحاولت أن أعرف منها ماذا رأت؟، إلا كانت كانت تتمتم بكلمات غير واضحة، سوى بعض الكلمات، خرجوه من هنا، عايز ياكلني، أنا خايفة. ساعة وأنا ومحسن بجوار أخته "هنا"، حتى نامت، وأثناء خروجنا من الغرفة وجدت دمية على الأرض على شكل قط أسود، بجوار الباب، تعجبت كثيرا لأنني لم ألاحظه عندما دخلت من الباب، أخذت القط في يدي وجلسنا في الصالة نتحدث حتى الصباح، وكنت أؤكد أنني رأيت البواب أسفل العمارة. سمعنا صوت هنا ينادي على محسن، ودخلت معه لها وفي يدي الدمية وبمجرد رؤيتها له، صرخت بشدة وكأنها رأت عفريتا أمامها، تعجبت من رد فعلها وأخرجت الدمية للصالة، وهدأت البنت تماما، تركت محسن وأخذت القط إلى البيت وضعته في الصالة ووجده أخي الصغير وأخذه إلى غرفته. وفي الليل بدأت أسمع صوت مواء مرة أخرى، لكن هذه المرة كان صوت غليظا "عااااه عاااه عااااااااه"، كان الصوت صعبا، أسرعت إلى غرفة إتش وجدته نائما والقط مختفيا، فجأة ظهر الصوت مرة أخرى، وهذه المرة يأتي من الصالة، خرجت مسرعا وجدت الكهرباء لا تعمل فأخرجت هاتفى ووجدت القط في منتصف الصالة، وتفاصيل وجهه كان مختلفا، وفجأة عاد التيار مرة أخرى. ناديت على هشام بصوت عالٍ، وخرج إليّ مسرعا وشاهد المنظر وتسمر في مكانه، فصرخت فيه مرة أخرى، وجعلته يحضر الكتاب القديم وزجاجة الماء الصغيرة، وبمجرد ما أحضرهما اختفى القط، فسقط مغشيا عليه، أخذت الكتاب وزجاجة منه، واتجهت إلى محسن وطرقت الباب وفتح بسرعة وجدته وجهه شاحبا وأخته تصرخ، دخلت غرفتها ووجدتها تنظر إلى السقف وتتحرك يمينا ويسارا وتغطي جسمها. أخرجت الكتاب وبدأت أقرأ منه وفي يدي الزجاجة الصغيرة، فجاة ظهر البواب عند باب الغرفة، وجدتني أقول: - شفت يا محسن البواب أهو! = قالي شايف. - عشان تبقى تصدقني لما أقولك إنه موجود. = يا عم خلص دلوقتي ومشيه أخرجت المصحف من جيبي وبدأت أقرأ بصوت عالٍ، وبدأت محتوايات الغرفة تتحرك، وأخت محسن بدأت تبكي ويحدث لها تشنجات وفجأة سمعنا صوت قطة وكأنه يبكي، وبالتدريج تحول إلى الصوت الغليظ "عااا مواااا عااااااا". أخذت القط وذهبت إلى الشيخ سعيد، ودخلت الشقة وقبل أن يغلق الباب أمسك القط في يده، وجلسنا وأخبرني: - القط ده مش عادي. = يعني إيه مش عادي يا شيخنا؟ - القط ده اتحضر عليه جن كتير والجن اللي فيه من نوع الناري وجواه طاقة انتقامية رهيبة. = مش فاهم إيه اللي جابه للبنت الصغيرة. - البواب وكان ماشي في سكت التحضير عشان يخدموه، ولما مات اتحول الجن لطاقة شر. = طيب هنعمل إيه يا شيخ.. المشكلة كبيرة. - لازم تروح البيت هناك وتخلي أخوها يسيب البيت ويخرج، وأنت تكون مع البنت، وإياك تكلمه في الموبايل، سيب القط ده هنا، وروح هناك أنت. ذهبت إلى بيت محسن، وخرج هو منه وبدأت أقرأ القرآن في الغرفة وبعض تراتيل التحضير، وفجأة تحركت البنت وكأنها قط وصدر عنها صوت مواء، وفجأة انقطع التيار وأخرجت الهاتف وجلعت الغرفة بها إضاءة، ورششت الماء من الزجاجة الصغيرة، وأنا ما زلت أقرأ القرآن، وتوقفت "هنا" عن الحركة تماما، وظهر البواب فجأة ورششته بالماء وقرأت عليه القرآن وعلى الفتاة والذي احترق في الغرفة وبعدها عاد التيار مرة أخرى، وتحدثت مع "محسن" على الهاتف، وجاء مسرعا واحتضن أخته، وشكرني على ما فعلته له من معروف: - مش هنسالك المعروف ده. = متقولش كده المهم أنكم بخير والموضوع مكبرش. بعدها اتجهت إلى الشيخ سعيد، وجدت رسالة معلقة بالباب مكتوب عليها اسمي، وبها: "أنت عملت مجهود جبار النهارده، وبرافو يا بطل أنت تقدمت خطوة كبيرة النهارده.. وبالنسبة للقط أنساه أفضل دلوقتي.. وركز في الجاية". انتهت.