في أحد شوارع روكسي، وقف ذلك الرجل حاملًا بعض الأكياس البلاستيكية بداخلها قطع خبز صغيرة، وبجواره علبة كشري وضعها جانبًا بعد أن كان يمسكها ويستعد لتناولها، ولم تقاطعه سوى نظرات تلك القطة الجائعة التي تستعطفه لإطعامها، كانت ملابسه متسخة بعض الشيء، ولكن بقليل من النظافة ستكون جيدة وقد تكون محتاجة إلى بعض المعاملة الحسنة ممن يحيطون به. لم يهتم كثيرًا بمن حوله، ربما كان ينظر لهم كمن يشاهد عالمًا آخر على شاشة التليفزيون، فملابسهم وسياراتهم وطعامهم ونظراتهم أحالت بينه وبينهم، وربما قسوة نظراتهم له جعلته يحنو على تلك القطة الصغيرة الجائعة، التي تنظر له باستعطاف ينظر هو نفسه به لمن حوله، ولا يجد منهم سوى نظرات شفقة تتبعها نظرات اشمئزاز حتى ترحل من أمامه وتحل محلها عيون أخرى بنظرات أخرى تحرجه مرة وتجرحه مرات. انحنى عدة مرات بجسده الكهل الضعيف ليناول القطة بعضًا من خبزه، ليتجسد في هذا المشهد كل معاني "الرحمة"، ثم استند على كرسي ووضع علبة "الكشري" بجانبه ليطعم القطة قبل أن يشبع جوعه، ورغم أن ما يملكه من طعام لا يكفي لإشباعه وحده وشارك القطة به، إلا أنه كان يشبع قلبه حنانًا يعوضه عن نظرات المارين الذين قرأ في أعينهم سؤالًا "هو انت لاقي تاكل عشان تأكل قطة؟"، إلا أنه لم يهتم بهم وابتسم عدة مرات مشفقًا على غلظة قلوبهم التي لن تدرك ما يشعر به تجاه تلك "القطة الضالة" التي تشبهه بعيدًا عن رادار أعينهم التي لا ترحم ولا تفيد.