قبل انتفاضة 25 يناير لم أكن أسمع عن عبدالرحمن يوسف القرضاوى سوى أنه أحد أبناء داعية «مصرى سابق» هرب إلى «قطر» (التى لم أكن أسمع عنها سوى أنها «نتوء» طبوغرافى فى صحراء الخليج) فى ستينيات عبدالناصر، حين كانت مصر غير مؤهلة للتسامح مع أصحاب الفكر والمواقف الرجعية، وحصل على جنسيتها، وعاش «مكفولاً» برعاية شيوخها، يتقلب فى رغدهم ويختم على أهوائهم وتحالفاتهم السياسية المشبوهة ب«فتاوى» لا تفرق بين لحية الشيخ المسلم ولحية الحاخام!. لم أكن أسمع عن هذا ال«عبدالرحمن» سوى أنه ابن «يوسف القرضاوى»، ولم أكن معنياً بالسؤال عنه وعن ما يمثله، حتى بعد أن جىء بأبيه من قطر على متن طائرة «التنظيم الدولى» للإخوان، ليؤم المتظاهرين فى ميدان التحرير، ثم انقشع غبار «25 يناير» وتناثر «التحرير» شظايا وألعاباً ثورية، وأصبح كل متر مربع فى الميدان «ائتلافاً» يطلب حصته، واشتبكت «الأجندات» وتشابكت.. قديمها وجديدها، وكان على الجميع أن يتخلى عن شعار «العيش والحرية والعدالة والكرامة» ويسلّم «شرفه» السياسى لجماعة الإخوان بعد أن استولت على كل شىء، وأن يخوض معاركها بالوكالة ليقبض ثمن مواقفه الثورية.. وهكذا لم يبق من «25 يناير» سوى جماعة مسعورة تسعى إلى الحكم، وطابور طويل من المرتزقة: منهم من فاز ومنهم من لا يزال ينتظر!. فى هذه الأجواء الملتبسة، الحافلة بالمكائد والشائعات والصفقات المشبوهة والمعارك التى لم نكن نعرف أسبابها وأطرافها ودوافعها، طفحت على بحر السياسة حشائش ثورية مغمورة من نوعية هذا ال«عبدالرحمن»، الذى فوجئنا بأنه «شاعر»، ثم فوجئنا بأنه «شاعر الثورة»، والحقيقة أننى لم أهتم ولم أقتنع ب«شاعرية» الأخ عبدالرحمن ووزنه الشعرى ومدى إسهامه فى إثراء حركة الشعر العربى إلا بعد أن أصابه «مَسّ» السياسة، وبدأ يطل علينا بوجه «شاعر الثورة»، وقد تبين لى بعد سماع بعض قصائده «وقد سمعتها على مضض» أنها أقرب إلى منشورات أو بيانات تحريض وهجاء «ومديح أحياناً، كما فى قصيدته عن السيد حسن نصر الله»، وأنها تفتقد الحس الفنى وليس فيها من جماليات الشعر سوى نفخ العروق والتشويح باليدين أثناء إلقاء القصيدة، أما حكاية شاعر الثورة فلا تستند فى اعتقادى إلى ثورية أصيلة لدى هذا ال«عبدالرحمن» بل إلى قصائده التى كتبها فى مدح أو هجاء بعض العاملين فى مجال العمل السياسى، مثل الرئيس مبارك والناشط أحمد حرارة وغيرهما، أو تعليقاً على أحداث سياسية مثل حادث غرق العبارة «السلام 98». غير أن الأهم فى مسيرة الأخ عبدالرحمن النضالية هى تلك العلاقة المضطربة بوالده، فمنذ أطلّ علينا بوجهه الثورى، المنحوت، يصر على أنه لا يمثل إلا نفسه ولا يسمح لأحد أن ينسبه إلى أبيه وكأن بينهما عداءً شخصياً على الرغم من أن نفسه التى يمثلها ليست سوى نكرة من دون يوسف القرضاوى، وعندما فاجأنا ب«رسالته» الميمونة إلى والده بعد ثورة 30 يونيو رداً على موقفه من عزل محمد مرسى والإطاحة بجماعته الإرهابية من الحكم، لم أصدقه.. فضلاً عن أننى لم أفهم دوافعه فى ذلك الوقت، لكن أحداث فض اعتصامى رابعة والنهضة ردت الفرع إلى الجذر، وأثبتت أن «عبدالرحمن» فى الحقيقة سر «قرضاويه» فقد شن هجوماً ضارياً على قوات الأمن التى تكفلت بعملية الفض وبدأ يعيد إنتاج أكاذيب «جزيرة» يوسف القرضاوى، خاصة فما يتعلق بأعداد الضحايا، وانضم إلى جوقة «الدم الحرام»، فى حين لم نسمع منه كلمة عن ضحايا جماعته الإرهابية سواء ضباط وجنود الجيش والشرطة أو المواطنون الذين قتلهم إرهابيو مسيرات الجماعة، ولم نسمع منه كلمة عن إحراق المساجد والكنائس والمنشآت العامة والخاصة، ولم نسمع منه بالطبع كلمة واحدة عن المؤامرة الحقيرة التى يدبرها تنظيم القرضاوى الدولى ضد مصر! يقول المثل: من شبّ على شىء شاب عليه، والأخ عبدالرحمن -كما نعرف- وُلد ونشأ وترعرع فى قطر، رأس حربة هذه المؤامرة، وظل يرضع من سمها أكثر من عشرين عاماً قبل أن يتخلى طائعاً عن جنسيتها ليخوض حربه المقدسة ضد حسنى مبارك ونظامه، كما أثبتت الأيام أن «جين الكراهية» كامن فى فطرته.. كراهية مصر.. شعباً وجيشاً ودولة، رغم دأبه الإعلامى واستماتته فى إنكار نسبه إلى «داعية الناتو» كما يوصف الآن يوسف القرضاوى، ولا أعرف لماذا لم ينتفض الأخ عبدالرحمن ويرسل إلى أبيه رسالة أخرى ليقول له إن من العار أن يطالب أوروبا وأمريكا بالتدخل العسكرى فى سوريا بحجة إسقاط نظام بشار الأسد، وإن من العار أن يكون متورطاً فى مؤامرة حقيرة لإلحاق سوريا بالعراق.. ومن بعدهما مصر!. أنا لا أفهم سوى أن يقف الأخ عبدالرحمن على منصة الشعر نافخاً عروقه معلناً براءته من جرائم أبيه المخجلة، وإذا لم يستطع فعليه أن «يحجر» عليه بعد أن تأكد للجميع أنه بلغ من العمر أرذله، وتحولت فتاواه إلى ضرب من التخريف وأصبح خطراً على الإسلام، وإذا لم يستطع فعليه أن يكتفى بقصائده التافهة أو يعود إلى مرضعته الحنون.. قطر، فمصر لم تعد تتحمل خونة أو مرتزقة أو ضحايا لتفكك أسرى لا ذنب لنا فيه.