العصفورةُ التى حطَّت على «غُصنى» هذا الأسبوع، بدأت شقشقتَها مع نهاية الزمن الجميل. عصفورةٌ تثير تساؤلاً طرحته مجلةُ «الموعد» بتاريخ أكتوبر 1978، فى مقال مطوَّل احتلَّ أربع صفحات: «مطربةٌ جديدة اسمها «سماء»، هل تجدُ الفرصةَ، كما وجدتِ الحظ؟» والحقُّ أننى لا أعرف الفرق بين «الفرصة»، و«الحظ»! علَّ الكاتبَ يقصد: «هل يُصادفُها الحظُّ كما صافحتها الموهبةُ؟» بضعةٌ وثلاثون عاماً تفصل بين ذاك المقال وبين لقائى الأول بالسيدة «سعاد أحمد رمضان» التى اشتُهِرت فى وسط الموسيقيين والمطربين بالسبعينات باسم: «سماء». أمسكتِ العودَ أمام عبدالوهاب، فأخذتها الرهبةُ من حضور العملاق. فتناول منها العود وعزف «الورد جميل». ولما أتمَّت، أشاد بها قائلا: «تمتلكُ صوتاً كاملاً»، وقال أحمد فؤاد حسن: «صوتُها سليم 100٪»، وكذلك فعل موسيقيون كبار لحَّنوا لها؛ مثل بليغ حمدى والموجى وعمار الشريعى وحلمى بكر والموجى الصغير وإبراهيم رأفت وغيرهم. وأما نجاة الصغيرة فقالت: «صوتُها حسَّاس، وأقدِّمُها على مسئوليتى». وفى جريدة «الأخبار»، بتاريخ 8/1/ 1975، كتبتِ العظيمةُ «حُسْن شاه»، فى عمودها تحت عنوان «البحث عن أصوات جديدة» تتساءل عن غيابها فى تلك المرحلة قائلة: أقامت مدرسة «ناصر» الثانوية للبنات ندوة تحدث فيها الكاتب مصطفى أمين. وقدم فريق الكورال بالمدرسة بعض الأناشيد الوطنية والأغانى الدينية بأصوات أقرب إلى شدو البلابل. أما الطالبة سعاد رمضان، التى قدَّمت بعض الأغانى الفردية، فقد تنبأ لها مصطفى أمين بأنها الصوتُ الذى قد يغدو أم كلثوم جديدة. ثم دعت القائمين على الموسيقى بتبنِّى هذا الصوت المبشِّر بأعظم الآمال. اعتُمِدت كمطربة فى الإذاعة وأحيت العديد من السهرات التليفزيونية الشهيرة آنذاك، وقدَّمت حفلا أسبوعياً فى نادى «سيدات القاهرة» وجمعية هدى شعراوى. وحين كانت طالبة جميلةً وموهوبة بكلية التربية الموسيقية، غنَّت فى حفل «جمعية كتَّاب ونقَّاد السينما»، فصافحها عبدالمنعم الصاوى، وزير الثقافة والإعلام آنذاك، قائلا: «صوتُكِ حساس وقوى ويستحق الاهتمام»، ومثله فعل رئيس الوزاء ممدوح سالم. وفى عموده بجريدة الأهرام تساءل «كمال الملاَّخ»: «سماء: هل هى أم كلثوم الجديدة؟» ويبقى السؤال: لماذا وُئِدت تلك الموهبة؟ مَن المسئول عن صمت عصفور قبل أوان الصمت؟ دعك من الحظِّ، لأننى لا أؤمن به. فهل ثمة رجلٌ يقف وراء تحوُّل تلك العصفورة من شادية ألحان، إلى مجرد أستاذة بكلية التربية النوعية ومعلِّمة بيانو وعود؟ أم هو كسلُ الموسيقيين عن القبض على صدح بلبل كنَّا نحتاج إليه؟ أسبحُ الآن مع صوتها فى حصص الصولفيج، فأعرف أننا خسرنا صوتاً جميلاً! هل أخبرتُكم أن تلك العصفورة، د.سعاد أحمد، هى مدربةُ البيانو الخاصة بى؟