لميدان التحرير شرعية سياسية لا شك فيها، لأنه الفضاء العام الذى ازدحم بمئات الآلاف من الجماهير الغاضبة، التى انضمت إلى الانتفاضة الثورية التى أشعلها شباب ال«فيس بوك» فى 25 يناير 2011، وهكذا تحول هذا اليوم التاريخى إلى رمز لاشتعال الثورة، التى أضاءت الآفاق المعتمة للواقع المصرى الذى خضع للاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى لمدة ثلاثين عاماً كاملة. غير أن الأحداث السياسية المتتابعة والمتناقضة فى منطلقاتها وفى توجهاتها التى ازدحمت بها الفترة الانتقالية، جعلت الشرعية الثورية أو ما اصطلح على تسميتها «شرعية الميدان» تدخل فى صراع حاد مع ما أطلق عليها «شرعية البرلمان»، وخصوصاً بعد انتهاء انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وحصول حزب «الحرية والعدالة» على الأكثرية هو وحزب «النور» السلفى. وقد اعتبر حزب «الحرية والعدالة» محسوباً على التيار الثورى بحكم اشتراك الإخوان المسلمين فى الثورة ابتداء من يوم 28 يناير، بعد تردد، حينما أحست «الجماعة» أن الانقلاب الذى نظمه شباب الثورة ضد النظام القديم قارب على النجاح. وهكذا روجت جماعة «الإخوان المسلمين» لديمقراطية البرلمان وأوحت -وإن كان بشكل غير مباشر - أن «شرعية الميدان» آن أوان انتهائها، اكتفاء بشرعية البرلمان المعبر عن الشعب فى انتخابات نزيهة وشفافة. غير أن الصراع الذى دار بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة دفع بها دفعاً للنزول فى مليونيات حاشدة إلى ميدان التحرير، تحت شعار «الشرعية ما زالت للميدان»! وهكذا، وفق هذا الخطاب المزدوج، مارست جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى بصورة انتهازية واضحة، أغضبت منها عديداً من التيارات الثورية والليبرالية، التى نقدت اتجاهها للهيمنة على مجمل الفضاء السياسى المصرى. وانتهت انتخابات رئاسة الجمهورية بفوز الدكتور «محمد مرسى» بنسبة 52% من أصوات الناخبين مقابل 48% حصل عليها الفريق «أحمد شفيق»، مما يظهر أن الفارق بينهما ضئيل. وبرز الرئيس «مرسى» بعد حلفه اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا بخطابات متوازنة فى الواقع، تتضمن رسائل طمأنة للجميع تحت شعار أنه «رئيس لكل المصريين»، من أيدوه ومن عارضوه على السواء. وكان المتوقع من بعد أن تنتصر شرعية البرلمان على شرعية الميدان، غير أن جماعة الإخوان المسلمين استبقت إعلان النتيجة رسمياً واحتشدت بمئات الألوف فى ميدان التحرير عودة مرة أخرى إلى شرعية الميدان، الذى اشتعل بعلامات الفرحة والابتهاج حين أعلن فوز الرئيس «مرسى». وطالبت الجماهير الثورية بأن يحلف اليمين أمام الشعب فى الميدان، ولا يحلف أمام المحكمة الدستورية. غير أنه استجاب جزئياً لأنه ذهب إلى ميدان التحرير وهتف «ثوار ثوار هنكمل المشوار»، غير أنه فى اليوم التالى -بناء على نصيحة دستورية حكيمة- توجه إلى المحكمة الدستورية وحلف اليمين، ثم ذهب إلى جامعة للقاهرة وحلف للمرة الثالثة! وظننا وهماً أن الشرعية الثورية قد أخلت المجال للشرعية الديمقراطية، غير أن أنصار «حازم أبوإسماعيل» صمموا على البقاء فى ميدان التحرير، ومن ناحية أخرى انتقلت مظاهرات عديدة إلى ميدان القصر الجمهورى رافعة أعلامها مرددة هتافاتها، محتمية بذلك فى شرعية الميدان باعتبارها مستمرة إلى الأبد! إلى متى يمكن التسامح مع مظاهرات شرعية الميدان التى تنطلق بغير أى ضوابط، متحررة من أى قيود قانونية أو إدارية؟ وهل سيستطيع الرئيس أن يحكم والقصر الجمهورى محاط هكذا بعشرات الألوف من المتظاهرين والمعتصمين؟ مجرد سؤال نترك إجابته للمستقبل القريب.