"الفِتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين.. يرُدون هذا الدين جديدًا كما بدأ.. يُقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون". هكذا وجه سيد قطب الجيل الناشئ لجماعة الإخوان المسلمين إلى فكره، ليحول مسار الجماعة من الهدف الدعوي إلى الوصول للسلطة، والتحكم في زمام أمور الأمة. وبعد 47 عامًا من رحيل قطب عن الجماعة وعن الحياة، وتشدد الكثيرين من أبناء الإخوان في الاعتماد على فِكره في تحريك الجماعة، انطلقت حركة من شباب الإخوان تُطالب ب"نبذ فكر سيد قطب والاعتماد على كُتب الأزهر"، ولتكن البداية بالإطاحة بالمُرشد العام محمد بديع من منصبه. حيث وقَّع 2751 إخوانيًا عاملًا بمكاتب الجماعة على سحب الثقة من المرشد، وانضمت إليهم مجموعة من شباب الإخوان المُعتصمين في رابعة العدوية الذين يسعون لنبذ فِكر سيد قطب. ومع وصول عدد التوقيعات إلى ثلاثة آلاف، وهو ما يعد انشقاقًا قويًا في صفوف الجماعة التي تضم أربعة آلاف عامل بمكاتبها المختلفة، توالي حركة "إخوان بلا عُنف" سحب الثقة من المُرشد والاستيلاء على مكاتب الإخوان على مستوى المُحافظات. ويسعى هؤلاء الشباب لنبذ فِكر سيد قُطب، الذي ينظر إليه البعض كمنهج أساسي في الدعوة، حيث كان كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" الذي يعتبر بداية قطب مع الإخوان، مُستقطبًا لهم لمشروعه، الذي رأى فيه أنه "لا بد أن توجد طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص". وفي عام 1965، لخص الشيخ محمد عبداللطيف السُبكي الذي تولي رئاسة تحرير مجلة الأزهر قرابة 20 عامًا، تقريره عن كتاب "معالم في الطريق" لمؤلفه سيد قُطب، الذي أوضح خلاله الفرق الواضح بين منهج الأزهر الشريف والمنهج الذي يدعيه قُطب، خلال مقال نُشر بالعدد الثامن من مجلة "منبر الإسلام" التي كان يصدرها "المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية"، وتطرق خلالها لتفنيد الكتاب وتوضيح المبادئ المُعارضة لمبادئ الإسلام، ولخصها في بعض العبارات، مثل إنه "لابد من إعادة وجود هذه الأمة، لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى (...) لابد مِن بعْث لتك الأمة، التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات، وركام الأوضاع وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام"، وكذلك قوله إن "العالم يعيش اليوم كله في جاهلية. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية، إنها تسند الحاكمية إلى البشر"، حيث وصفها السُبكي جميعها بأنها "استخدام لكلمة الحق التي يُريد بها باطل". وانتهى تقرير السُبكي عن كتاب سيد قطب إلى عدة نقاط، أهما أن "المؤلف إنسان مسرف في التشاؤم، ينظر إلى المجتمع الإسلامي بل إلى الدنيا بمنظار أسود، ويصورها للناس كما يراها هو، أو أسود مما يراها، ثم يتخيل بعد ذلك آمالًا ويَسبح في خيال". ويُكمل السُبكي: "إن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين، من مطاردة الحكام مهما يكن في ذلك عنده من إراقة دماء، والفتك بالأبرياء، وتخريب العمران، وترويع المجتمع، وتصديع الأمن، وإلهاب الفتن، في صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله، وذلك هو معنى الثورة الحركية التي رددها كلامه". وأصبح تساؤل "هل سيُغير شباب الإخوان مسار الجماعة؟" هو الذي يدور حولنا. يقول أحمد يحيى المُتحدث الرسمي باسم "إخوان بلا عُنف": "نهدف إلى تغيير فكر الجماعة المُتَّبع بالداخل، ونبذ فِكر الإمام سيد قطب الدموي وتبني فِكر الأزهر والفكر الوسطي المُعتدل الذي يخدم دعوتنا". "أصبح تحالف مؤيدي مرسي والتابعين للتيارات الإسلامية هم الغالبين على الاعتصام، فلا تحركه الآن القيادات بقدر ما تحركه مطالبهم بعودة مرسي". هكذا وصف يحيى في تصريحاته ل"الوطن" رد فعل قيادات الاعتصام على الانشقاق الفِكري بين شباب الإخوان، ب"غياب قادة الاعتصام من الأساس"، فلم يعد وجود صفوت حجازي والبلتاجي هو المُحرك الرئيسي للاعتصام. لطالما كان الانشقاق المُعلن على لسان ومواقف شباب الإخوان ضد فِكر الجماعة، يجعلنا ننساءل: "لماذا البقاء داخل الإخوان المُسلمين رغم السعي لتبني كُتب الأزهر؟". يقول يحيى: "نتمسك بوجودنا داخل الجماعة لكن بفكر جديد، فهي جماعة دعوية سياسية، أما الأزهر الشريف فمؤسسة دينية بحتة لا علاقة لها بالسياسة". يقتصر دور الأزهر الشريف في فكرة "إخوان بلا عنف"، على التزويد ببعض الكُتب والمبادئ الدينية الوسطية المعتدلة، والبحث مع شباب الإخوان في أفكار الإمام الأكبر حسن البنا، من خلال ممثلين للأزهر الشريف، كالمُتحدث الرسمي للأزهر ومدير مكتب شيخ الأزهر، والنظر فيما يلائم دعوتهم ونبذ ما يُعارضها. "الاستقطاب الحاد الذي تشهده الإخوان حاليًا ساهم في رفض شباب من الجماعة لفِكرها وانشقاق صفوف الجماعة، وهو ما يحمل نذيرًا للإخوان، بأن المُشكلة التي تُقابلهم هي انقضاض الشعب على الإسلاميين". هكذا فسر الدكتور كمال الهلباوي القيادي السابق بالجماعة، مواقف شباب الإخوان ضد الجماعة. وأكد الهلباوي ل"الوطن" أن مستقبل الإخوان سيتغير للأفضل على يد شبابها هؤلاء، الذين رأى نبذهم لفكر سيد قطب الغير المسبوق"، بحسب قوله، مضيفا: "لم تشهد الجماعة مثل هذه الأفكار داخلها، فلم يكن هناك سوى بعض الشباب الذين عاصروا قطب في السجن قبل إعدامه، ولم يُصرحوا بذلك، ولم تكن مواقفهم قوية داخل الإخوان".