لا يعرف الكثيرون أن الغربان تقيم المحاكم لكل من يخطئ.. وفيها تعاقب الجماعة أى فرد يخرج على نظامها حسب قوانين العدالة الفطرية.. فلكل جريمة عند الغربان عقوبتها الخاصة تعيش الغربان فى معظم أصقاع العالم تقريباً باستثناء القطب الجنوبى وأمريكا الجنوبية، وهى -كما أثبتت الدراسات العلمية- تتميز بذكائها ومكرها الشديدين، ويعلل ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم لنصفى دماغ بالنسبة إلى حجم الجسم فى كل الطيور المعروفة، ولهذه الغربان عادات، أهمها -وهو ما يعنينا هنا- أنه عندما يموت أحدها لا تتركه بقية الغربان يموت فى صمت دون ضجة، بل بمجرد اكتشاف أحد الغربان جثته يطلق نعيقاً مميزاً تفهمه بقية عشيرته، فتبدأ فى التوجه ناحية النعيق تاركة كل شىء تفعله. ما إن يكتمل الجمع حتى ينعق الجميع فى جنازة مهيبة، يُمنَح فيها المتوفى حقه اللائق فى التوديع، ثم ينفضّ الجمع إلى ما تُرك من سعى. المتأمل لحياة الحيوانات والطيور يكتشف مدى التشابه بين عاداتها وعادات الإنسان. ثمة من يكتشف هذا التقارب، إذا رأى فيه تصرفاً لا يرتقى إلى أن يتصف به ترفع عنه، وإذا وافق هواه انغمس أكثر حتى أوشك أن يفوق الحيوان أو الطير صاحب العادة نفسها. من أمثلة هذا التشابه تقليد المصرى للغراب فى حزنه على المتوفى، وهو ربما تشابه مقبول لأن فقد الأحبة مرير. ما لا يغفر هو أن يقلد الإعلاميون المصريون الغراب فى نصب الجنازة المهيبة لكل حدث أو خبر قبل التأكد من صحته، وأن يناقشوه على مرأى ومسمع المشاهدين، ثم بجملة واحدة فى النهاية يظهر من ينفى صحة ما تردد، فيتعرض المشاهد المصرى -أياً كان توجهه- إلى الشعور بالصدمة، وما بين إعلان الخبر ونفيه تطوّحه أفكاره على حقول القلق، هذه التصرفات دفعت العقلاء إلى تشبيه بعض الإعلاميين ب«غراب البين»، أو «الغراب النوحى»، وهو تشبيه يعنى أنه لا يريد سوى جنازة ليشبع فيها لطماً، حتى قبل أن تخرج الروح من الخبر ليكتمل تماماً. بلغت الصحافة التليفزيونية أقصى تخبط لها هذا الأسبوع، ليس لأن بعض الإعلاميين يبحث لنفسه عن مخرج ليمحو تاريخه السابق المعادى للإخوان المسلمين، أو لأنه يحاول البقاء فى ظل التوافق غير المتوقع بين المجلس العسكرى والسلطة الجديدة، بل لأنه غير مهنى للدرجة التى تؤهله لأن يختار أسهل الطرق، ألا وهو أن يثبت على مبدأه الذى كان يراه الأقرب إلى قناعاته، ويختار مقعد المعارض الشريف فى الفترة المقبلة. فى مصر وحدها يخرج خبر يؤكد أن الإخوان سيستحوذون على 50% من مقاعد الحكومة، ليخرج مسئول من الجماعة بعد أن تشتعل نفوس الجميع لينفى ما أعُلن، ثم يعقبه خبر آخر عن استبعاد البرادعى والببلاوى من رئاسة الوزارة، وخبر ثالث عن تخلى محمد مرسى عن راتبه، ثم خبر عن مقتل موسيقيَّين فى الشرقية على يد السلفيين، يليه خبر عن أداء ابن الرئيس الجديد لامتحان الثانوية فى لجنة خاصة تليق بمكانته الجديدة. كل هذه الأخبار ثم نفيها بعد أن أوغرت أو أثلجت صدور الكثيرين. لا يعرف الكثيرون أن الغربان تقيم المحاكم لكل من يخطئ، وفيها تعاقب الجماعة أى فرد يخرج على نظامها حسب قوانين العدالة الفطرية، فلكل جريمة عند الغربان عقوبتها الخاصة: جريمة اغتصاب طعام الأفراخ الصغار تعاقب المحكمة عليها بأن تقوم جماعة من الغربان بنتف ريش الغراب المعتدى، حتى يصبح عاجزاً عن الطيران كالأفراخ الصغيرة، وجريمة اغتصاب العش أو هدمه تُلزم فيها المحكمة الغراب ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدى عليه، أما جريمة الاعتداء على أنثى غراب آخر فتقضى فيها جماعة الغربان بقتل المعتدى ضرباً بمناقيرها حتى الموت.. ترى بأى حكم كانت ستحكم الغربان على الإعلامى الذى يروج للإشاعات ويُعرّض أمن وسلامة مصر فى هذه المرحلة الحساسة للخطر الجسيم؟!