عوارض الأهلية هى حالات تصيب الشخص فتؤثر على قدرة التمييز عنده، ما يؤثر على سلامة إرادته وكمال أهليته، وعوارض الأهلية فى القانون هى الجنون والعته والسفه والغفلة. والمقصود بالعته هو خلل عقلى أقل من الجنون يصيب الشخص فيذهب بإدراكه ويُفقده التمييز، والمعتوه يختلف عن المجنون فى مظهره الهادئ غير العنيف، وهو ما يوحى بأنه مكتمل القوى العقلية فينخدع فيه الناس، وقد أصاب العته بعض من يتصدون للعمل العام أو من يمارسون السياسة والكتابة والظهور فى البرامج. ولكى نكون أكثر تحديداً فإنى أعنى أشخاصاً بعينهم وأول هؤلاء الأشخاص هو الشيخ يوسف القرضاوى الذى كان أول من أطلق الفتاوى للاحتراب فى سوريا تجده اليوم يدعو مسلمى العالم من ماليزيا وأفغانستان وإندونيسيا إلى إيران وفلسطين وحتى تونس.. يدعوهم لماذا؟ يدعوهم للجهاد على أرض مصر؛ فهل وصل بالشيخ الذى شوّه ما كان له من سمعة وتاريخ أن يدعو المسلمين من مختلف بقاع الأرض أن يُقاتلوا المصريين فى دارهم؟ ومن أجل ماذا؟ ومن أجل من؟ هل من أجل الإسلام ونصرة الله ورسوله؟ هل من فى مصر من الكفار الذين يجب الجهاد ضدهم؟ طبعاً الإجابة بالنفى، لكن ذلك من أجل الإخوان وإعادة سيطرتهم على الحكم فى مصر؛ لأن وجود الإخوان فى الحكم يضمن للشيخ مصالحه الخاصة ومصالح من يكفلونه من الأمريكان والصهاينة وشيوخ قطر، تهون مصر ويهون أهلها وتهون أرواح المصريين ودماؤهم من أجل السادة فى واشنطن والدوحة وتل أبيب والشيخ من ناحية أخرى يدعو جنود مصر لعدم طاعة القادة؛ فهو يهدف إلى تفكيك الجيش وإحداث انشقاقات به كما حدث فى الجيش السورى. الشيخ يرضى بل يريد لمصر مصير سوريا ما دام الإخوان لا يحكمون، لكن المرض العقلى يمكن أن يصور أكثر من ذلك فما يقول به الشيخ لا يخيل على طفل ولا يلقى اهتماما، لكن ما قاله الشيخ أحط من قدره وأفقده ما كان له من هيبة وتقدير واحترام. والشخص الثانى الذى أعنيه هو الدكتور سليم العوا الذى خرج علينا بما سماه مبادرة للحل السياسى، وقبل أن أتعرض لهذه المبادرة أود أن أُذكر نفسى قبل غيرى بأن السيد العوا هو ابن المشروع الإسلامى -الذى يستغل الدين للوصول لأغراض دنيوية وسياسية- وهو محامى قناة الجزيرة وهو المدافع عن المجلس العسكرى بعد ثورة 25 يناير وهو المنقلب على ذات المجلس بعد وصول الإخوان للحكم وهو الذى حاول خداع الشعب كله حين وقف فى قصر الاتحادية ليعلن إلغاء الإعلان الدستورى الذى أصدره المخلوع الثانى محمد مرسى فى نوفمبر 2012 مع إبقاء ما ترتب على هذا الإعلان من آثار؛ فبعد أن استنفد هذا الإعلان جميع أغراضه من تحصين للجمعية التأسيسية ولمجلس الشورى وإقالة النائب العام نقول بعد أن نُفّذ كل ما كان من أجله صدر الإعلان يقف السيد العوا وبلا خجل ليعلن إعلانا دستوريا جديدا وأول بند فيه (من أجل إرضاء المصريين البلهاء) هو إلغاء الإعلان الدستورى الأول؛ فبعد أن انتهت مهمة هذا الإعلان ونُفذت بنوده يعلن إلغاؤه، واعتقد «العوا» أن الأمر قد مر على الشعب وربما اقتنع أنه صاحب دهاء وذكاء وحنكة، ولا يعلم المسكين أن ما قام به ما هو إلا عرض من عوارض الأهلية القانونية والسياسية، ومع تصوره المريض بأنه الداهية السياسية والفقيه القانونى سولت له نفسه أن يتقدم بمبادرة لحل الأزمة التى تمر بها مصر الآن، وأول بنود هذه المبادرة هو تفويض رئيس الجمهورية السابق لصلاحياته إلى رئيس وزراء محل توافق، وهذا يعنى أن نعترف بأن ملايين البشر الذين خرجوا فى 30/6 ليخلعوا هذا الفاشل الذى وضع مصر على حافة الحرب الأهلية وأن تأييد القوات المسلحة لمطالب الشعب، كل ما حدث وحتى 26/7/2013 كان خطأً فى حق الرجل فنُعيده للحكم ليفوض رئيس وزراء متوافقاً عليه، وأسأل السيد العوا: كيف سيعود للحكم من أجرم فى حق مصر وخانها؟ وأسأله أيضاً: من أين سيأتى التوافق على رئيس للوزراء يا ناصح؟ وبعد هذا البند الأول فى المبادرة لا أجد ما يبرر مناقشة باقى بنودها، وما يعنينا إظهاره هو: ما الذى يهدف إليه «العوا» من مبادرته؟ هدف لا يختلف عن هدف الشيخ القرضاوى، إضافة إلى رغبته فى عدم انحسار الأضواء عنه؛ فهو يدرك تماماً أن مبادرته مرفوضة وتجاوزها الواقع، لكن مجرد طرحها وترديد اسمه على الفضائيات وفى المقالات هو فى حد ذاته مكسب له حتى إن تناول الناس مبادرته باللعنات ونعتوه بما يستحقه من ألفاظ؛ فالمهم هو ترديد الاسم. والفريق الثالث هم كل من يُمسكون العصا من المنتصف ويُرددون كلاماً لا يقال بعد أن سالت دماء المصريين -كل المصريين- من قبيل المصالحة وعدم الإقصاء والعمل المشترك ومع من؟ مع من يبحثون عن المواجهة ويتعمدون الاشتباك مع الجيش والشرطة والمدنيين.. شاهدنا ذلك فى أحداث الحرس الجمهورى والتحرير وطريق النصر لا لشىء إلا لاستمرار الاهتمام الدولى بالاعتصام والمعتصمين فالدماء وحدها -وهى رخيصة لديهم- تستدرج الإعلام والاهتمام الخارجى من ناحية ولترسيخ أن ما حدث هو انقلاب دموى على الشعب من ناحية أخرى؛ فمن دون هذه الدماء لن يكون ما حدث انقلابا عسكريا دمويا، ومن دون الدماء لن يكون هناك تعاطف داخلى وخارجى مع المعتصمين وكسب التأييد لهم ولمواقفهم حتى لو لتحسين مركزهم التفاوضى لا لعودة المخلوع الثانى، لكن لاستمرارهم على قيد الحياة ويضمن لهم الخروج الآمن بعد أن كشفهم الشعب ولفظهم، وهذا ما يفسر هذه الخطابات التحريضية لطلب الاستشهاد والموت فى سبيل الإسلام والشريعة والشرعية، والإسلام والشريعة منهم براء، ثم إننا لم نر أحداً من قياداتهم أو أولادهم فى مصاف الشهداء بل كل الشهداء من الأبرياء المغرر بهم والذين يتسابقون إلى الموت طلباً للشهادة بحسب ما أقنعوهم به. وهل يعقل عاقل من الإخوان وممن هم فى طُغيانهم يعمهون أن عودة «مرسى» للرئاسة أمر ممكن؟ إنهم يقولون هذا بأفواههم، أما عقولهم وأمانيهم الحقيقية فلا تتعدى الإفراج عن «مرسى» وأن يشاركوا فى المرحلة الانتقالية وأن يستمروا ولو على هامش الحياة السياسية فى مصر حتى يتمكنوا من جديد، وهو أمر مستحيل؛ لأن الوقائع على الأرض تقضى بمحاكمة «مرسى» بتهمة الخيانة العظمى والتخابر مع دول أجنبية والتسبب فى قتل المئات من المصريين ودفع البلاد إلى حرب أهلية، وهى جرائم تصل عقوبتها للإعدام، فضلاً عن حل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال ومحاكمة قياداتها وإغلاق صفحة الإخوان نهائياً من التاريخ المصرى الحديث؛ لأنهم بالفعل أصبحوا من الماضى فقط ولا حاضر ولا مستقبل لهم على المستوى السياسى بل والدعوى أيضاً، وفى ظنى أن ما تقوم به جماعة الإخوان الآن من استفزاز للجيش وللشرطة، خاصة فى سيناء، إنما هو تعبير عن ذعر الجماعة من «سيناريو» العزل والتهميش والملاحقة الأمنية وأن تعود الجماعة محظورة كسيرتها الأولى؛ فليس أمامهم إلا الرهان على إشعال الفوضى وإسالة الدماء عسى أن يسعى النظام الجديد إلى الإبقاء على التنظيم على قيد الحياة وإشراكهم فى الحياة السياسية القادمة، وهو أيضاً رهان خاسر؛ لأن السلطة الحاكمة الآن لو قبلت بذلك جدلاً فإن الشعب لن يتسامح مع من خانونا وأهدروا الدماء رخيصة -دماء كل المصريين- ومع من هم على استعداد لحرق مصر وتدميرها فى سبيل بقائهم. لذلك وجب على الدولة الآن أن تُسارع لحسم هذا الموقف الذى هو مقدمة لأحداث قد تصل بنا إلى السيناريو السودانى بتقسيم مصر أو إلى السيناريو السورى مع ما فيه من مآسٍ، وعلى الدولة بجميع السبل والوسائل أن تصفى هذه البؤر الإجرامية بأقل تكلفة ممكنة وعدم تمكين الإخوان من تنفيذ مخططهم الذى يسعون إليه باستمرار حالة الفوضى وإهدار مزيد من الدماء والأرواح؛ فَلِمَ لا تتم محاصرة من هم فى «رابعة العدوية» وقطع المرافق من مياه وكهرباء واتصالات أرضية ومحمولة عنهم مع تأمين الخروج الآمن لمن يرغب من المعتصمين المغرر بهم بإعطاء ضمانات حقيقية لهم بعدم الملاحقة الأمنية مع منع دخول معتصمين جدد، وكذلك منع أى إمدادات تأتى من خارج الاعتصام؟ وهو أمر يسير بعمل كردونات أمنية مُحكمة حول منطقة الاعتصام وعلى مسافات كبيرة تسمح فقط بالخروج دون الدخول، مع حظر أى مسيرات خارج منطقة الاعتصام وليكن بفرض حالة الطوارئ على مناطق الاعتصام بما لا يسمح معه بشن غارات على منشآت الدولة أو على القوات التى تحاصر أماكن الاعتصام تحت اسم المسيرات السلمية. إن التباطؤ فى اتخاذ إجراءات حاسمة سيكلف الوطن والشعب تكاليف باهظة بوقوع المزيد من الضحايا التى تثير تعاطفاً دولياً ومحلياً يزيد من تعقيد المشكلة، أم ترانا سننتظر حتى تناشدنا دول العالم والأمم المتحدة وقف إطلاق النار بين المصريين؟