لاقت دعوة الفريق «السيسى» المواطنين المصريين للنزول لكل ميادين مصر اليوم «كى يعطوا الجيش والشرطة تفويضاً وأمراً بمواجهة العنف والإرهاب المحتمل»، قبولاً وارتياحاً وحماساً لدى الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى، لكنها أثارت فى الوقت ذاته بعض ردود الفعل المعاكسة أو القلقة. يمكن تُفهم أسباب القبول والترحيب والحماس لدى القطاع الأكبر من المواطنين بالطبع؛ فقد وجد هؤلاء المواطنون أن الأمن والاستقرار والسلم الأهلى والسلامة الوطنية باتت مهددة بشدة بسبب سلوك مارق تقوم به جماعة «الإخوان المسلمين» وبعض حلفائها. لم يعد هناك أى شك لدى القطاع الأكبر بين المواطنين المصريين حيال رغبة «الجماعة» فى التصعيد باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل استعادة حلمها «المأفون» بالسيطرة على البلاد وفرض أجندتها الفاشلة والمهددة لمفهوم الدولة الوطنية والضاربة بالمصلحة العامة عرض الحائط. لم ينس هؤلاء المواطنون ما قاله البلتاجى حين كشف عن رعاية «الجماعة» لعمليات الإرهاب الجارية ضد الجيش والشرطة والدولة والمواطنين المدنيين فى سيناء، وعن تعهده بإيقاف تلك العمليات بمجرد «عودة مرسى إلى منصبه». لم ينسوا أيضاً ما قاله عاصم عبدالماجد عن «الرؤوس التى أينعت وحان قطافها»، أو مقولة صفوت حجازى: «من يرش مرسى بالماء.. نرشه بالدماء»، أو تهديده ب«خطوات تصعيدية لا يتخيلها أحد». يتذكر هؤلاء المواطنون محاولات «الجماعة» توريط الجيش فى الدماء، عبر إرسال «ميليشياتها» للاحتكاك بجنود الجيش ومنشآته، وإطلاق النار عليهم، واستدراجهم إلى الرد، ثم التقاط صور «الضحايا» لعرضها فى الفضائيات. يتابع هؤلاء المواطنون الأنباء التى ترد من سيناء عن قتل وخطف الضباط والجنود والأهالى، كما يتابعون أنباء التفجيرات التى بدأت تندلع فى بعض المحافظات، فضلاً عن استراتيجية التظاهر المنهكة التى تستهدف الضغط على أعصاب المواطنين عبر قطع الطرق وافتعال الاشتباكات. لا غرابة إذن فى رد الفعل المرحب والمتحمس حيال دعوة الجيش، ولا غرابة أن ينزل الملايين إلى الميادين اليوم لتلبية الدعوة، وللدفاع عن وطنهم، ودولتهم، وجيشهم، وسلمهم الأهلى.. بل وللدفاع عن أنفسهم ومستقبل أبنائهم. لا غرابة أيضاً فى أن تهاجم جماعة «الإخوان» الدعوة بشدة، وتصفها بأبشع الأوصاف؛ ف«الجماعة» تدرك أن نزول الملايين اليوم سيكون بمنزلة ضربة قاصمة لها ولمشروعها الشرير، وسيؤدى إلى إبطال ذرائع الاعتصام والاحتجاج الذى تقوم به، والأهم من ذلك أنه سيحاصر رغبتها فى تفجير الأوضاع، وإشاعة الرعب والإرهاب، وجر البلاد إلى السيناريو السورى. ثمة قطاع بين تيارات «الإسلام السياسى» يؤيد دعوة «السيسى»، وربما يلبيها، لكن قطاعاً آخر من غير أعضاء جماعة «الإخوان» يعارض الدعوة بشدة، أو يحذر منها، أو يفضل تجاهلها. إن ذلك الموقف يرجع إلى مخاوف لدى أعضاء ذلك التيار من هزيمة تاريخية ساحقة تنسحب على جميع القوى الإسلامية وليس على جماعة «الإخوان» فقط. هناك كذلك بعض الإسلاميين الذين تحالفوا مع «الجماعة»، وصمدوا معها فى المنازلة الأخيرة، ولم يعد لديهم قدرة على التراجع، أو إمساك العصا من الوسط؛ ولذلك فهم يواصلون على ذات الموجة، رغم علمهم بأنها لن تحملهم إلى بر آمن. ثمة كذلك قطاع بين المواطنين من غير مناصرى تيارات «الإسلام السياسى» لكنهم يعارضون الدعوة أو لا يبدون الحماس اللازم إزاءها. يتذرع هؤلاء بمخاوف من الحشد والحشد المضاد بشكل قد يؤدى إلى اشتباكات دموية. ويخشون أيضاً من احتمال أن يكون التأييد الكاسح المتوقع لدعوة «السيسى» تفويضاً باستخدام العنف وليس مواجهته، ولذلك فهم يتحرجون من التأييد تحسباً لما قد يستجد من تطورات ربما تأخذ منحى دموياً. يعتقد آخرون أيضاً أن «السيسى» ليس فى حاجة إلى تفويض لكى يقوم بواجبه، وأنه مطالب بمواجهة العنف والإرهاب بحزم وقوة طالما أن ذلك يتم فى إطار القانون. سيمكن بالطبع تفهم موقف جماعة «الإخوان» والحلقة الضيقة من حلفائها من تيارات اليمين الدينى المتشدد من دعوة «السيسى»، كما سيمكن تفهم مواقف غالبية المصريين المؤيدة والمرحبة والمتحمسة للدعوة والعازمة على تلبيتها بكل قوة وثبات اليوم، لكن ما لا يمكن تفهمه هو بعض المواقف المرتبكة والمترددة بين قطاعات من المواطنين الذين لم يحزموا أمرهم بالنزول. يدل أداء «السيسى» السياسى والأمنى بوضوح على نزوعه السلمى، وتقديره لحرمة دماء المصريين، وإخضاعه كل قرار سياسى مهم لكثير من الدرس والبحث. لذلك، يجب ألا تكون هناك مخاوف من استخدام مفرط للقوة ضد المعارضين السياسيين، خاصة أن رئاسة الجمهورية كانت قد رعت مؤتمراً للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية فى أعقاب كلمة «السيسى» مباشرة، الأربعاء الماضى. ويجب أيضاً ألا يستنكر البعض رغبة «السيسى» فى الحصول على تفويض بمواجهة العنف والإرهاب استناداً إلى أن ذلك من صميم دوره ومسئولياته، إذا ما أدركنا طبيعة الضغوط الغربية والأمريكية تحديداً على النظام الجديد فى مصر. على المصريين أن ينزلوا إلى ميادين مصر اليوم؛ ليتظاهروا ضد العنف والإرهاب، وللحفاظ على الدولة والسلم الأهلى والأمن، ولتفعيل خريطة الطريق التى ستأخذنا إلى دستور محترم وانتخابات نزيهة. انزل إلى الميدان.. لتدافع عن نفسك.