بعد ظهر يوم من أيام العيد الماضي، اتصل بي رقم غير مسجل لأسمع المفاجاة.. مكالمة جميلة من صديق قديم يشيد فيها بدوري في مسلسل "أزي الصحة"، ويسألني مازحا "هل قمت بصبغ شعرك للشخصيه فعلا؟". طلب مني صديقي في المكالمة أن أكتب عن تجربتي الفنية لأشاركها مع القراء، كنوع من نقل التجارب الفنية و الإنسانية، وهنا.. توقفت لأتذكر أني منذ دخولي مجال الفن لم أقف لحظة لأنظر ورائي، لم أتوقف عند مرحلة ما أو دور أثر في حياتي أو رحلتي، دوما في سباق محموم بين التحضير وانتظار الدور المناسب، وتغيير الجلد وإظهار التعدد في الأدوار، زي ما بيقولوا كده محاولة إثبات لنفسي قبل الآخرين إن "قماشتي كبيرة واسعة" تستطيع تغطية العديد من الأدوار. تذكرت بداية حبي للتمثيل، وكيف نشأت، على ما أذكر كان السبب الرئيسي في ذلك الممثل توم هانكس، كنت أشاهد فيلما اسمه big، وهو من أوائل الأفلام التي قدمها، ويتناول قصه طفل يريد القفز بعمره ليصبح في الثلاثينات ويحقق أحلامه بسرعة.. كنت أنا هذا الطفل آنذاك، ورأيت في نفسي في الفيلم. من وقتها أحببت توم هانكس حبا مجنونا، وقمت بتخصيص أجندة كاملة كألبوم صور ضخم يضم صوره وأخباره، وأصبحت متابع جيد لأفلامه التي أثرت في شخصيتي مثل "فورست جامب، وفيلادلفيا"، وأبوللو 13، وcast away". بجانب حب السينما كانت أمنيتي أن أصبح طبيبا، لدرجة أن ألعابي المفضلة في صغري كانت الميكروسكوب وأدوات الطب، لكن السينما ظلت هي العشق الأكبر، فكنت أكافئ نفسي ب"خروجة سينما"، عند إتمام مذاكرتي بالشكل اللائق، ورغم ذلك لم أكن أتخيل نفسي أبدا في مصاف الممثلين الذين يمتعون الناس بأدوارهم المختلفة، كنت أراهم نجوما بالمعني الحرفي، نجوم في السماء ننظر إليهم فقط ونتأثر ونتعلم منهم، إلى أن رأيت توم هانكس في برنامج in side the actors studio، وشاهدته يتحدث عن والده الذي كان نجارا يصنع ديكورات المسرحيات، وكيف كان ممثلي المفضل يساعده في العمل، رغم عدم السماح له بالجلوس في صالة المسرح أبدا، وهو الأمر الذي جعله يشاهد المسرحيات وقتها من من "كالوس المسرح" الذي كانت زاوية رؤيته تتيح لهانكس رؤية الجمهور والممثلين في نفس الوقت. حكى هانكس في البرنامج أيضا عن انبهاره برؤية الجماهير الغفيرة التي تملأ صالة العرض، والممثل الذي يقف منفردا وسط الأنوار أعلى خشبة المسرح، والعيون كلها متجهة إليه، وهو ما جعله يدرك ما يريد، قال لنفسه "أريد أن أصبح مثل هذا الممثل، لا أريد أن أكون واحد من مئات الجماهير، أريد أن أكون ذلك الشخص الموهوب الذي تشخص الأبصار لرؤيته ويبهر الجميع بموهبته"، كلام توم هانكس أنار داخلي الشعلة التي لم تنطفىء أبدا، وهي إدراكي أن حبي للتمثيل ليس مجرد هواية أو إعجاب، وإنما هي حقيقة شخصيتي وجوهري الداخلي، بل وربما تكون السبب الذي خلقت لأجله، وقتها عرفت مرادي في الحياة وبدأت البحث عن الطريق. وبعد أن حققت أمنيتي في أن أصبح طبيبا، ودخلت كلية الطب بالفعل، شاء القدر أن يلتحق زملاء المدرسة -الذين أصبحوا ممثلين معروفين الآن- بكلية التجارة جامعة القاهرة، وبطبيعة الحال اتجهوا فورا لمسرح الكلية، وقمت بزيارتهم في المسرح لأحظى بالتجربة لأول مرة في حياتي، وقتها كانوا يحضرون لعمل مسرحي من إخراج أستاذي الراحل المبدع حسين محمود رحمة الله عليه، أحبني الرجل منذ أول لقاء، وأذكر حديثة عندما قال للجميع "دكتور أهو وسايب سكاشنه ودراسته وجاي حبا في التمثيل.. وإنتم أهو الفرص قدامكم ومكسلين". أتذكر مشاركاتي مع الزملاء الأعزاء في مسرح الجامعة الذي أشكر الله دوما أن جعل البداية من خلاله، لأن بداية الممثل عندما تكون قائمة على الهواية وشغف التمثيل تظل الشعلة متقدة للأبد، ولا تتعامل مع الأمر وكأنه "أكل عيش"، وبالتالي يظل خوفك وحلمك في الصعود مستمرا معك، ويبقى سقف الطموح عال، ومهما قدمت تظل تنظر لنفسك وكأنك لم تحقق شيء بعد، وتنتظر المزيد. كنت الوحيد وقتها الذي قام بالتمثيل في فريق مسرح تجارة من خارج الكلية، بمشاركة زملائي النجوم حاليا "محمد شاهين، ومحمد سلام، ومحمد فراج، ومحمد فهيم"، وغيرهم الكثير، ونشأت بيننا صداقة العمر وعشرة السنين، فنحن إلى يومنا هذا نجتمع دوما في منزل أحدنا لمشاهده أعمالنا سويا، وننقد الآداء ونوجه بعضا للأفضل. تحمست شديدا وقتها وكونت فريقا للتمثيل في كليتي، بل وأكرمنى الله بالفوز بجوائز في مسابقة الجامعات ك"ممثل أول جامعة القاهرة، وممثل أول جامعات مصر عام 2001 عن مسرحية إسطبل عنتر لصديقي الفنان ياسر الطوبجي"، وكنا نتنافس وقتها على الجوائز مع زملائنا من جامعة عين شمس "محمد ثروت وإيمان السيد" في مسرحية سكة السلامة، وبعد ذلك دخلت مسرح الدولة عن طريق استاذي المخرج الكبير وصديقي العجوز الراحل دكتور هاني مطاوع -آه كم أحببته وأحببت ثقته التي أعطاها لي-، ودرست التمثيل في مؤسسة tvi actors studio في نيويورك عام 2009، لأتتلمذ على يد من قام بتعليم توم هانكس نفسه، وأصبح من تلاميذ ستانفورد ميزنر العظيم صاحب منهج ميزنر للتمثيل السينمائي، ولنا في الحديث بقية في المره القادمة. À toute à l'heure شكرا لكم يمكنكم التواصل مع الكاتب من هنا https://www.facebook.com/hossam.dagher.1 https://mobile.twitter.com/hossamdagher4 https://www.instagram.com/hossam.dagher/