فى البدء كان «الطلق والتهنين»، طفل رضيع ولد لأبوين مسيحيين شاميين عام 1928، الأم من أسرة سورية كاثوليكية والأب لبنانى بروتستانتى مدرس فى جامعة فؤاد الأول يحمل لقب «بِكْ»، شبّ «فؤاد» معجوناً فى تراب مصر التى سمع أرضها «بتتكلم عربى»، سُجِن شاباً بتهمة سياسية وفى عتمة السجن صار المسيحىُ مسلماً يتبتل بالشعر العامى: «لما فؤادى اهتدى لمعناه/ سجد فى صدرى شاكراً لله/ اقبل فؤاد بيقول أنا لبّيت/ وسعيت لأعتاب الذى حبّيت/ من أرض خضرا ومن جبل حجّيت/ ومن البرارى والعواصم جيت/ لك يا بلد يا آمناً يا بيت». نشر فؤاد حدّاد ديوانه الأول «أحرار وراء القضبان» بعد خروجه من السجن عام 1956، وفى 1969 عاد حبيس السجن ثانية، فدام حبسه خمس سنوات خرج بعدها ليكتب «المسحراتى» التى غنّاها الراحل سيد مكاوى، ومذّاك وحداد «مسحراتى» بين الشعراء يسحّرهم بلسانه الرطيب: «اصحى يا نايم وحد الدايم/ السعى للصوم خير من النوم/ دى ليالى سمحة/ دى نجومها سبحة/ اصحى يا نايم/ يا نايم اصحى/ وحد الرزاق/ رمضان كريم». «قدرٌ أن يكون أكبر أباطرة الشعر «العامى المصرى» شاعر شامى وآخر تونسى»، هكذا قال أحد شعراء العامية الكبار فى ستينات القرن الماضى قاصداً فؤاد حداد الشامى وبيرم التونسى، عندما استطاع الشاعر ذو الأصول الشامية الانتقال بالشعر العامى من ساحة الزجل إلى ساحات أكثر اتساعاً وارتباطاً بقضايا المصريين الاجتماعية والسياسية. سنوات قضاها «حداد» على منصة الشعر أبدع خلاها ملاحم شعرية عامية منها «أدهم الشرقاوى»، و«حسن المغنواتى» ودواوين ك«المسحراتى» و«الحضرة الزكية»، حتى بيرم التونسى، الشاعر العامى الراحل، قال فيه: «لو كان للشعر العامى أكاديمية سيكون فؤاد حداد «عميدها» فلا يوجد من هو أشعر منه»، وكان فؤاد حداد ممن بدأوا حياتهم يكتبون بالعربية الفصحى، ثم تحول إلى الكتابة بالعامية المصرية. رغم ما عاناه «والد الشعراء»، كما يعرف نفسه فى سجون عبدالناصر، فإن الرئيس الراحل ظل أيقونة الجهاد فى لب فؤاد حداد، فاستعطف «قلب عبدالناصر» للعودة للجهاد الفرض «ولاجتماع الملوك/ ويتامى يستعجلوك/ الله يحب الجهاد/ ويحب الاستشهاد/ والابتسامه اللى عرض/ الأرض والسموات». تأثر فؤاد حداد بتوالى الأحداث والمعارك والمجازر التى تعرض لها العرب فى فترة الستينات والسبعينات، فكتب «من نور الخيال وصنع الأجيال فى تاريخ القاهرة»، كرد فعل شعرى على هزيمة يونيو 1967، ونشر ديوانه «النقش باللاسلكى» عن مجزرتى صبرا وشاتيلا، وأذن للمقاومة «ازرع كل الأرض مقاومة/ ترمى فى كل الأرض جدور/ إن كان ضلمة تمد النور/ وإن كان سجن تهد السور/ كون البادئ كون البادئ/ كل فروع الحق بنادق/ غير الدم محدش صادق/ من أيام الوطن اللاجئ/ إلى يوم الوطن المنصور» وبعد 58 عاماً من المقاومة توفى «المسحراتى» فؤاد حداد فى نوفمبر 1985.