اتفق خبراء دوليون على أن موقف الولاياتالمتحدة يشوبه ارتباك واضح في التعامل مع التغيرات في مصر عقب مظاهرات 30 يونيو التي أدت إلى عزل الرئيس السابق محمد مرسي، مرجعين ذلك إلى أن واشنطن تسعى "للإمساك بمنتصف العصا" في الأوضاع الراهنة في البلاد من حيث السيطرة على الاتجاهين، النظام السابق والحالي، تحسباً لإحراز أي طرف انتصارا على الآخر. وأعلنت الجيش المصري يوم 3 يوليو الجاري تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا (أعلى هيئة قضائية في مصر)، عدلي منصور، رئيسا مؤقتا للبلاد لحين انتخاب آخر جديد؛ وعزل الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان؛ من منصبه على خلفية احتجاجات شعبية حاشدة مناهضة له انطلقت يوم 30 يونيو الماضي. غير أن أنصار "مرسي" يحشدون بميادين، رافضين تلك القرارات، ومصرين على المطالبة بعودة الرئيس السابق. داوود خير الله، أستاذ قانون دولي فى جامعتي جورج تاون وجونز هوبكنز الأمريكيتين وصف موقف الولاياتالمتحدة بال "المتردد حيث تحاول أن تمسك العصاة من المنتصف تجاه غالبية القضايا فهي تتبع مصلحتها بأي اتجاه تتطور فيه الأمور في مصر حتى ما إذا تغيرت الظروف لصالح أي من الطرفين تستطيع واشنطن ملاحقة التطور ومواكبته بشكل سريع". وأضاف خير الله أن "الولاياتالمتحدة تؤيد الطرفين بشكل مباشر وغير مباشر؛ ففي الوقت الذي تقف خلف الدول الخليجية وتدفعها بصورة أو بأخرى لتقديم الدعم الاقتصادي لمصر تخرج المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وتطالب بالإفراج عن مرسي فهي في الحالتين تحاول أن تكون في وضع المسيطر في حال تطور الأمر". وطالبت الولاياتالمتحدة، أمس، السلطات المصرية بإطلاق سراح الرئيس السابق محمد مرسي لأول مرة منذ اعتقاله قبل أكثر من أسبوع. وأوضح خير الله أنه "في حال تطور الأمر وظهر لجماعة الإخوان المسلمين شعبية ونوعية من التأييد تستطيع الولاياتالمتحدة أن تقول: لم نترككم بل طالبنا الإفراج عن مرسي، وإذا كان الاتجاه ضد الإخوان تقول: إنها كانت مع الثورة". وبشأن الغضب الشعبي المصري الذي تواجهه الولاياتالمتحدة والتي يتم اتهامها من الطرفين في مصر سواء المؤيد لمرسي أو المعارض له بدعم الآخر، قال خير الله إن "الولاياتالمتحدة تدرك أن الدور الذي لعبته السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون لقى نوعا من الاستنكار، لكنها تحاول التجاهل، وإظهار الإدارة الأمريكية في دور المحايد دون إزعاج أي طرف من طرفي الصراع"، لافتاً إلى أنه "ليس هناك ما يبرر للولايات المتحدة اتخاذ مواقف عدائية ضد الإخوان". وانتقد المتظاهرون في ميدان التحرير "التدخل الأمريكي في الشأن المصري عبر الضغط على الجيش ليتراجع عن بعض الخطوات التي اتخذها ضد جماعة الإخوان المسلمين في الأيام الأخيرة" -على حد تقديرهم. وامتلأ الميدان أمس، بلافتات مناهضة للولايات المتحدة، سواء على جدران الميدان أو على خيام المعتصمين. وتنوعت اللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية، في رسالة موجهة بشكل مباشر إلى الولاياتالمتحدة، بين "أفيقي يا أمريكا.. الرئيس الأمريكي بارك أوباما يدعم النظام الفاشي في مصر"، و"أوباما راعي الإرهاب في مصر والعالم". إضافة إلى زينة علقت أمام المنصة الرئيسية في الميدان مطبوع عليها صور لأوباما والسفيرة الأمريكيةبالقاهرة، آن باترسون، مكتوب عليها "ضغط الولاياتالمتحدة على الجيش عدوان وإعلان حرب على مصر وشعبها". وكانت السفيرة الأمريكيةبالقاهرة، آن باترسون أدلت بتصريحات قبيل مظاهرات 30 يونيو، قالت فيها "البعض يقول إن عمل الشارع سوف يأتي بنتائج أفضل من الانتخابات.. لأكون صادقة معكم، حكومتي وأنا لدينا شك عميق إزاء هذا الأمر"، وهو ما أثار غضب العديد من القوى السياسية. ومتفقاً مع خير الله، قال أدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة واشنطن، إن "الإدارة الأمريكية تحاول إمساك العصا من المنتصف، حيث في الوقت الذي تعبر فيه أنها ليس مع أي طرف ضد الآخر، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في تسمية ما حدث بمصر انقلابا عسكريا". وفسّر غريب ذلك بقوله إن "واشنطن تدرك جيداً أن ذلك سيدفعها لتطبيق القانون الأمريكي إذا كان هناك انقلاباً عسكرية فيجب وقف المساعدات لمصر، لذلك فالإدارة الأمريكية تفضل إظهار نوعاً من التقبل لكنها مستمرة في الضغط من خلال التلويح بمراجعة هذه المساعدات من جانب المسؤولين الأمريكيين وهو ما ظهر خلال تصريحات اليومين الماضيين بشأن وقف الاعتقالات لقيادات الإخوان". وأضاف أن "هذا الضغط يهدف لحفظ مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة وأن يكون النظام الجديد على طريق سابقيه من خلال عدم المساس بأمن الولاياتالمتحدة القومي المتعلق بأمن إسرائيل، والسلام في المنطقة". وتشهد مصر أعمال عنف منذ اندلاع مظاهرات 30 يونيو، زادت وتيرتها بشكل كبير بعد إصدار الجيش، بمشاركة قوى سياسية وشبابية ورموز دينية الأربعاء قبل الماضي، بيان "خارطة الطريق"، الذي أطاح بموجبه بالرئيس السابق مرسي وإسناد رئاسة البلاد مؤقتا إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، عدلي منصور لحين انتخاب رئيس جديد.