يشبه الوضع الراهن، من نافذته الإخوانية ومجمل اليمين الدينى المتطرف وضع جهة ما وقد عقدت عقداً مع عدة أطراف، واستيقظ الجميع ليكتشف ما تضمّنه العقد من تدليس. ويذكرنى ذلك -والقياس مع الفارق- بفيلم «غريب فى بيتى» عندما باع نصابٌ ذات الشقة لثلاثة أشخاص، ثم فر هارباً. تتابع المشاهد وتكشف الخبايا التى كانت غائبة والصفقات التى أُبرمت فى الظلام، يضع العقود الفاسدة تحت دائرة الضوء. أول من ثار على ما بالعقد من تدليس هو الشعب المصرى، صاحب الحق الأساسى فى التعاقد مع مندوب جماعة الإخوان، الدكتور محمد مرسى، الذى لم يكتفِ بعدم الوفاء ببند واحد من تعهداته، بل إنه تجاوز كل الحدود فى التعدى على حقوقنا وكرامتنا باعتبار أنه «حافظ القرآن!!؟؟»، وكأنه وحده فى مصر الحافظ لكتاب الله، وكأنه حصل على أغلبية، وإن ضئيلة، ليفعل بنا ما شاءت جماعته، بحجة «الصندوق» وما سمّوه بشرعية هذا الصندوق.. قال الشعب كلمته فى خروج هو الأكبر فى تاريخ البشرية، سمعها واستمع إليه جيشه الوطنى بتاريخه المشرّف، وهو ما يُفسر ماذا كان على رأس أهداف المخطط الإخوانى بشعارهم الخسيس والحقير «يسقط يسقط حكم العسكر!»؟ وفور أن فسخ الشعب العقد لهول ما به من عيوب وفساد، اضطر الإخوان إلى اللعب على المكشوف، فأخذوا يهددوننا نحن الشعب وتمسكوا بوهم الأغلبية والشرعية والصندوق، إلى آخر المعزوفة الخادعة، وعندما وجدوا أن الشعب فى وادٍ وهم فى وادٍ آخر، أخذوا يهدّدوننا بقطع الرؤوس وسحق أجسادنا وتفجيرنا أشلاءً وكل من كان يضعهم بحق فى خانة التنظيمات والجماعات الإرهابية.. هذه التطورات أبرزت جانباً بالغ الأهمية وهو «الصفقة» التى أبرمها اليمين الدينى المتطرف مع الولاياتالمتحدة فى إطار مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، لكن العقد أقيم على أساس فاسد ومدلس بامتياز، حيث سوّقت الجماعة نفسها على أن الشعب المصرى، الشديد التدين، «فى جيبها» توجّهه كيفما شاءت، فإذا قالت له مثلاً إن إسرائيل دولة شقيقة بينما سوريا دولة معادية، فسوف تهلل الملايين لقرار «مرسى» الحكيم! واستيقظت الإدارة الأمريكية، على كابوس، وقد لمست بنفسها الفخ الذى وقعت فيه، وأن الإخوان سوّقوا لها أنفسهم بغير حقيقة وزنهم أو قدرتهم.. المعضلة أن الإخوان وأنصارهم، يتوهمون لفرط ذكائهم، أن أمريكا ساندتهم لسواد عيونهم، أو لأن «أوباما» قد انضم إلى الجماعة، وبات يتلقى تعليمات المرشد، من منطلق السمع والطاعة.. أشرت فى مقال سابق إلى أن ثورة شعب مصر العظيم، قد غيّرت قواعد اللعبة، وسوف تُكتب صفحة جديدة فى تاريخ البشرية، ولا يفهم الإخوان أن واشنطن نفسها فى ورطة، وأن هناك من يسأل «أوباما» عما دعاه إلى أن يصدّق الإخوان حول قدراتهم الخارقة باعتبار أنهم «جيمس بوند الإسلامى»، وهى بالتالى تبحث عن سُبل غسل يديها من خيبة رهانها الساقط. غير أن الجماعة وأنصارها لا يزالون غارقين فى سوء تقدير حالتهم الراهنة، فأخذوا وفى تحدٍّ صارخ وجارح لشعب مصر، التى قالوا طظ فيها، يطلقون نداءات إعادة «مرسى» إلى الكرسى، بأسلحة قوات المارينز، وهو ما لن يجد أى مدافع عن هؤلاء اسماً له سوى «الخيانة!!» وإلا فبماذا نسمى من يستنجد بقوات أجنبية ضدنا؟ وهل يمكن اعتبارهم مصريين؟ الغريب أنهم لا يدركون أن واشنطن قد ألقت بهم إلى سلة المهملات والفشل، كما سبق وفعلت مع أى عميل لها فقَدَ الصلاحية. وأُذكر الإخوان أن أمريكا سبق وقررت تنحية جمال عبدالناصر، فرفض الشعب وتمسّك بقيادته رغم أنف أمريكا وحلفائها، وأنه حتى لو ضربتنا تلبية لدعوة الإخوان الذين يضيفون إلى أنفسهم «المسلمون» لزوم الشرعية، فإن إرادتنا هى التى ستسود، ومبادئ ثورتنا فى التخلص من أى عملاء وأى تبعية، هى التى ستدفع ببلادنا إلى عنان السماء، بعد أن تخلصت من الصفقات المنحطة التى ظهرت وكان من أفدحها، تمزيق الوطن بسلخ حلايب وشلاتين وسلخ سيناء عن الجسد المصرى.. ياه.. يا له من كابوس تخلصنا منه! وألف مليون حمد لك يا رب ويا من افتروا علينا بأنك مَن أتيت بهم إلى الحكم ولا يريدون الاعتراف بأنك جلت قدرتك، قد أخرجتهم، بسبب ما اقترفوا، عن الحكم!!