أنت الآن فى حالة تجعلك تصدق الناس فى الغالب وفق ما يتفق مع اتجاهك السياسى، أو بعبارة أكثر دقة: أنت تصدق ما تريد أن تصدقه بغض النظر عن كونه حقيقة أم لا. أنت الآن فى حالة تجعلك لست مستعداً لسماع أى تبريرات، أو إدارة أى حوار منطقى مع ذاتك أو مع من حولك، والحقيقة الوحيدة أن كل هؤلاء الذين نراهم كذبوا من قبل، ولا مانع من أن يكرروا الكذب مرة أخرى، فكلهم يحاربون بعضهم البعض، وكل طرف أصبح مصمماً على التخلص من الطرف الآخر بدافع واحد هو الانتقام. ستتهمنى حتماً بإمساك العصا من المنتصف، وعدم الرغبة فى الحديث عن الدم الذى أريق عند دار الحرس الجمهورى، وسأذكرك بكل الدم الذى تحدثنا عنه فى «بين السرايات» وأسيوط و«التحرير» والمحافظات، ومن قبلها فى «الاتحادية»، ومن قبلها فى بورسعيد، ومن قبلها «محمد محمود» ومجلس الوزراء و«ماسبيرو»، ومن قبلها فى «جمعة الغضب» وما تلاها وما سبقها. الدم يراق وأناس تموت ولا تنال سوى جرافيتى أو لقب شهيد فى أفضل الظروف، وغيرهم يذهب ليصير مجرد ذكرى أو رقم فى نشرات الأخبار، لكن القاتل -أياً كان- لا ينال جزاءه، ولا تحقيق حقيقى يجرى، ولا حكم -أياً كان- سيقبل به أحد. هذا رأيى أبرأ به إلى الله ولا يهمنى أن ترضى عنه أو لا ترضى، لكن هذا ما أقره فى ضميرى، وبخصوص ضميرك أنت حر. * هناك قاعدة نقرها جميعاً وهى: أن أى دماء تراق فى اشتباكات توجد فيها قوات الجيش أو الشرطة يتحمل مسئوليتها السياسية الحاكم الفعلى للبلاد أياً كان. * الإخوان وحدهم هم من يحولون الأمر إلى معركة (بقاء) فى سبيل (شرعية مزعومة) وال(كرسى)، وحين يقولون على منصتهم: «إننا سنخرج الرئيس من الحرس الجمهورى»، فهذا معناه أنهم سيدخلونه أو يقتحمونه، وكل من يسمع كلامهم على منصتهم لن يجد فيه سوى تحريض وشحن طائفى لنصرة (الدين)، وكأن انتصارهم فى (معركتهم) انتصار للدين، وهذه قمة الخطورة. * ستقول لى إن الناس حاصرت «الاتحادية» نفسها أيام «مرسى» ولم تُطلق رصاصة واحدة عليهم من الحرس الجمهورى، وسأذكرك بأن غيرهم قام بالواجب، وبأن رصاصة واحدة لم تُطلق على الحرس الجمهورى أو الأمن الرئاسى. * لا يستطيع الجيش نفى أنه أطلق النيران، وفى نفس الوقت، لا يستطيع أى إخوانى أن ينفى أن من ذهبوا إلى اعتصام الحرس الجمهورى كان من بينهم من يحمل السلاح جاهزاً للمواجهة التى يعرف مسبقاً أنها (قد) تندلع فى أى لحظة، وبالتالى فسؤال (من الذى بدأ؟) يصبح هو السؤال الثانى وليس الأول الذى يجب أن يكون: كيف تتظاهر أو تعتصم أمام منشأة عسكرية ومعك أسلحة؟ * ستقول لى إن الناس خرجت للعباسية للتظاهر أمام وزارة الدفاع قبل عام ونصف، وسأذكرك بالضحايا التى سقطت وقتها، وقد تقول لى إن الجيش حمى اعتصامات للمؤيدين له، لأسألك: وهل أطلقوا عليه الخرطوش؟؟ * الاعتصام فى هذا الوقت ليس (فسحة) حتى أصطحب فيه أطفالى وسط الاشتباكات المرشحة للحدوث فى أى لحظة، ونشر صور لأطفال فى سوريا على أنهم شهداء قمة القذارة. * فى أول بيان صدر ل«الحرية والعدالة» تعقيباً على ما سموه (المجزرة) طالب (المجتمع الدولى) بالتدخل!!!!!!!!!!!! * دعوات الشهادة ليست فى محلها، ولا وظيفة لها سوى تأجيج الوضع، وتكرار الإخوان لاستخدام حالة (سوريا) يجعلنا نشك هل يخافون فعلاً من النموذج أم يسعون إليه؟ * يا وجع قلب كل أُم سقط ابنها فى الاشتباكات بغض النظر عن أى هرى أو تبرير أو تنظير أو مقالات أو مؤتمرات أو وعد -ممن لا يملك- بالجنة. * خطورة ما يحدث كل يوم هذه الأيام أن الجميع فقد الثقة فى الجميع.. وفقد التعاطف مع الجميع.. يا وجع قلبك يا مصر. * فى وسط كل ما يحدث.. لا تفقد إنسانيتك.. لا تبرر القتل.. لا تشمت فى الدماء.. لا تتسرع فى تصنيف الضحية والجانى.. اتقِ الله فى موقفك. * كل احترامى لكل من يعتبرها فتنة وينأى بنفسه عنها ويعمل بالآية الكريمة: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّى عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّى شَقِيّاً».. صدق الله العظيم. * أخيراً: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.