لم يكن مصطلح «المصالحة الوطنية» من المصطلحات المعتاد سماعها عند الحديث عن السياسة المصرية. فالمصالحة الوطنية عادة ما تكون مرتبطة بحالات من التناحر بين مجموعات مختلفة من الشعب على أسس سياسية أو دينية أو عرقية، مما يتطلب التوصل إلى اتفاق لتجاوز الخلافات السابقة كافة، حتى تستأنف الدولة مسارها الإصلاحى والديمقراطى دون إقصاءات أو مخاطر تجدد الخلافات السابقة. وهو ما حدث فى عدد من دول العالم مثل جنوب أفريقيا والبرازيل والمغرب ولبنان، بهدف مساعدة الشعب على تخطى انتهاكات وخلافات الماضى على المستويين السياسى والجنائى، ولتتفق على مسارات ملزمة للجميع تحدد مستقبل الدولة. ومع إعلان محمد مرسى رئيساً للجمهورية، تعالت أصوات جميع القوى السياسية داخلياً وخارجياً، مطالبة الرئيس بوضع «المصالحة الوطنية» على رأس أولوياته قبل أن يتولى مهامه رسمياً. وعلى الرغم من أن المصطلح واحد، فإن التطبيق المطلوب يختلف من جماعة إلى الأخرى؛ فهناك من يطالب بالمصالحة الوطنية مع المسيحيين من خلال تطمينهم فيما يتعلق بقانونى بناء دور العبادة الموحد والتمييز الدينى، وهناك من يطلب المصالحة الوطنية بين القوى السياسية الإسلامية والليبرالية لتجاوز الأزمات السياسية المختلفة، وهو ما تأكد من خلال اجتماع الجبهة الوطنية مع الرئيس محمد مرسى، والذى أسفر عن إصدار وثيقة للشراكة تتضمن 5 مبادئ، أبرزها التأكيد على الشراكة الوطنية والمشروع الوطنى الجامع وأن يضم الفريق الرئاسى وحكومة الإنقاذ الوطنى عناصر من جميع التيارات الوطنية، وهناك من يطلبها بين شخص مرسى باعتباره الرئيس المنتخب وداعميه، وشخص شفيق باعتباره المنافس على الإعادة وداعميه، باعتبار أن نتيجة الانتخابات أثبتت وجود شقاق مجتمعى كبير قد يتطور بشكل خطير إذا لم يتم احتواؤه بما يرضى جميع الأطراف. وهناك من يطالب بالمصالحة الوطنية بين القوى الثورية والمجلس العسكرى، أو بين الثوريين وداعمى النظام السابق بهدف تخطى كافة الخلافات السياسية والفكرية للعمل على نهوض مصر. فمصر الآن على شفا مرحلة انتقالية جديدة تتطلب توافقاً سياسياً ومجتمعياً كبيراً لكى نتمكن من تخطى أزماتنا سواء الموروثة من النظام السابق أو الناتجة عن كبوات المرحلة الانتقالية الأولى. وفكرة المصالحة الوطنية مطلوبة على كافة المستويات السابق ذكرها، وستحتاج لفترة طويلة من الزمن لكى يتم ترسيخها سياسياً ومجتمعياً، وهو ما قد يتطلب توثيق تلك المصالحة بشكل ما. وبداية، يجب أن تؤسس المصالحة الوطنية للمبادئ العامة للثورة متضمنة الشراكة السياسية والمجتمعية، وضمان تداول السلطة وحرية الرأى والتعبير للجميع، وضمان المحاسبة لجميع السلطات فى الدولة، وضمان الشفافية والنزاهة أمام الشعب فى مختلف القضايا التى تمس حياة المواطنين بما يضمن حياه ديمقراطية سليمة فى الجمهورية المصرية الثانية.