دقت ساعة التغيير، إنها معركة تقرير المصير، الجماهير تزحف إلى الميادين، تتدفق فى جماعات قادمة من جوف المجتمع يحدوها الأمل فى إنقاذ الوطن، لم تعد القضية فقط حرية أو «عيش» أو عدلاً أو كرامة إنسانية ولكن قطع الطريق أمام اختطاف الوطن لحساب دولة «الجماعة». عام مضى منذ جاء إلينا القدر بمحمد مرسى «رئيساً»، عام من الألم والحسرة، صراعات وانقسامات، استباحة للمحرمات، إسقاط متعمد للثوابت، عام تفاقمت فيه الأزمات، ازدادت حدتها، انعكست على حياة الناس، تحولت إلى جحيم يزداد لهيبه يوماً بعد يوم!! هناك حيث الفقراء، الذين ازدادوا فقراً، حيث البشر الذين عبست وجوههم واكفهرت، حيث اختفاء المطالب الحياتية الأساسية، لا ماء، لا كهرباء، لا سولار، لا بنزين، لا مال، ولا غذاء، كتموا أنفاسنا، دفعوا الناس بقهرهم وجبروتهم إلى أن يكرهوا حياتهم، إنه حكم مستبد جاء من جوف القرون الوسطى وتعامل مع أحرار الوطن بروح العبودية. فى اللحظة الحاسمة، كان القرار، اشتاطت آن باترسون غيظاً، اندفعت تطلق التصريحات، ذرفت الدموع على مرسى يا ولداه، أرادت إنقاذه من لحظة السقوط، راحت تهدد وتتوعد، التقت سراً وعلانية بكبار المسئولين فى الدولة والجماعة وكأنها تنادى ساعة الغروب وامرساه!! كان المصريون يتابعون المشهد، لقد عقدوا العزم، سخروا من الجماعة التى راحت تتاجر فى عرض الوطن عند أقدام السيد الأمريكى، بل وصل الأمر بالسيد عصام الحداد، القيادى الإخوانى بأن يصدر تعليماته إلى وزير الخارجية، كامل عمرو بأن يبلغ واشنطن باستعداد الرئيس إلى أن يصدر عفواً عن جميع الذين صدرت ضدهم أحكام فى قضية التمويل الأجنبى، شريطة الحصول على مزيد من الدعم الأمريكى لصالح حكم مرسى والجماعة. كان عناد الناس أكبر مما يتصور أحد، الحشود تملأ الشوارع والميادين، مصر تنتفض على حكم الجماعة، ترفض العبودية، تعلن الثورة، ترفض الهزيمة والاستسلام والانكسار، تتحدى كل الأعداء دفعة واحدة، تمد يدها إلى الشمس، تمسك بشعاع الحرية، وتصرخ فى صوت واحد: «مصر»!! ثلاثة حروف تجمع حولها المصريون من كل حدب وصوب، تواقين مشتاقين، إلى وطن، اختطف منهم فى غفلة من الزمان إلى عمق الحضارة والتاريخ، إلى صفحات سطرت بدماء الجنود على الجبهة وفى الميدان، اشتموا رائحة الشهداء، فازداد شوقهم وحنينهم إلى لحظة الحرية والانعتاق. العالم يترقب الأحداث، وسائل الإعلام تنقل الحدث من الميادين، وزير الاستثمار الإخوانى يصدر التعليمات، يهدد الفضائيات، يعلن الحرب على الجميع، وزير الإعلام الإخوانى يعقد الاجتماعات مع حلفائه فى قناة «الجزيرة»، يدعوهم إلى إعادة إنتاج دورهم المشبوه، خلال ثورة 25 يناير، حيث الأكاذيب، والادعاءات واستخدام الميديا لحساب أجندات لا تصب بالقطع فى مصلحة هذا الوطن. اختفت أخبار «مرسى»، المعلومات تقول إنه ربما يكون فى الجزيرة المواجهة لقصر رأس التين داخل البحر المتوسط، إنه يدرك حجم غضبة الجماهير، غادر منطقة الحرس الجمهورى بسبب قربها من التظاهرات، تخوف من اقتحام الدار، فيفتك به الغاضبون، قرر أن يحيط نفسه بعازل مائى ولنش قد يأخذه للهرب بعيداً فى أى وقت!! ساعات قليلة ويبدأ العد التنازلى، عمليات الإرهاب والتهديد من أنصاره لا تتوقف، يقولون إن سقوط مرسى يعنى سقوط المشروع الإسلامى، عن أى مشروع يتحدثون؟ أين هو هذا المشروع، وأين هى الشريعة التى قالوا إنهم سيطبقونها؟ التهديدات تقول سنعلن دولة الخلافة، كأن مرسى هو الذى يحول دون إعلانها، عن أى خلافة يتحدثون، إنهم يسعون إلى الفوضى بديلاً عن الدولة، عن الدماء بديلاً عن الخضوع لإرادة الجماهير. توحدت الجبهات، رفع الجميع علماً واحداً، تحدثوا بصوت واحد تراجعت الخلافات، غابت الانقسامات، كان الجميع يهتفون: «الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة»، تحاول الجماعة الإخوانية إفساد المشهد دفعوا ببعض حلفائهم ممن لعبوا دوراً مشبوهاً فى الفترة الماضية إلى إثارة مقولة الفلول والعسكر مرة أخرى، قالوا نحن نرفض الفلول والعسكر والإخوان، هم أبداً لا يرفضون الإخوان، لقد كانوا حلفاءهم ولا يزالون لكنهم قرروا وأعلنوا أنهم سيشاركون فى التظاهرات ولكن لإفسادها، وإثارة الخلافات من حولها، وافتعال الأزمات وإحداث الانقسامات بداخلها. الناس أدركت الحقائق، وعت للمخطط وأهدافه، عزلت هذه الأصوات النشاز، تجمع المصريون الحقيقيون من كل الاتجاهات ووضعوا لأنفسهم هدفاً واحداً ووحيداً، كيف نتخلص من المحتل الإخوانى وكيف نستعيد الوطن المخطوف ونحرره! كان الجيش يتابع الحدث على مقربة، الضباط والجنود ظلموا كثيراً انتصروا لثورة 25 يناير، قدموا كل ما يملكون، أكدوا مجدداً أنهم لا يسعون إلى سلطة وكانوا صادقين، لكنهم أبناء مخلصون لهذا الوطن تناسوا الجراح والآلام، انتشروا فى الشوارع والميادين، يراقبون ويتابعون يحدوهم الأمل فى عودة مصر من جديد، هم أيضاً مشتاقون، أسرهم وعائلاتهم فى الميادين يهتفون لمصر وللثورة، تعانقت القلوب، توحدت الأهداف، وأصبح الناس على شفا «التغيير الكبير»!! الجيش لن يخذل شعبه، لن يترك الناس فريسة للجماعة الظالمة، ولن يترك مصر مستباحة من الجميع، حانت اللحظة، الشعب يريد تحرير الوطن والجيش فى النهاية هو المنقذ للشعب وللدولة. بعض المتشائمين يقولون إن موقف الجيش مرتبط بالأمريكان، إنهم يظلمون الجيش الوطنى بتلك المقولات، أمريكا لن تحكمنا، والجيش لن يترك أرض مصر عرضة للدمار، لن ينحاز إلى السلطان على حساب الشعب، الشعب هو أصل الشرعية، ونزول الناس إلى الشارع يعنى أن الشعب أراد التغيير، وليس أمام أبنائه فى القوات المسلحة إلا الاستجابة لصوت الجماهير التى زحفت إلى جميع الميادين، وأقسمت إنها لن تعود إلا ومصر فى يدها!! الساعات القادمة حاسمة، سوف يتقرر فيها مصير البلاد، إما نكون أو لا نكون، هو ليس مصير جيل أو جيلين، لكنه مصير أجيال وإنقاذ لتاريخ وإعادة لضخ الدماء فى الشرايين بعد أن توقفت وكاد جسد الوطن، أن يذبل ويتعرض للموت والانهيار. مصر كلها مدعوة إلى الميادين رجالاً ونساء وشيوخاً وشباباً وأطفالاً، الكل ينتظر اللحظة، إنها لحظة الخلاص من براثن العنكبوت المميت الذى التف حول الجسد وكاد يفتك به، لا أحد يجب أن يبقى فى البيوت، البيت هو الشارع فى هذه اللحظة التاريخية المهمة، الجيش لن ينزل إلا إذا امتلأت أركان الوطن بحشود زاحفة فى كل المناطق والميادين. ساعتها سيدرك الجيش أن صوت الشارع هو الحكم وهو الفيصل وهو الذى سيدفعه إلى الاستجابة للنداء، نزوله هنا سيكون شرعياً استجابة لشعب يسعى إلى التحرر من نير العبودية. إذا بقيتم فى منازلكم، أو ذهبتم إلى الميادين وانصرفتم، فمعنى ذلك أنكم راغبون فى استمرار حكم العبودية وأنكم سلمتم الوطن للجماعة لتكون بديلاً لتسقط التاريخ وتعيد كتابته من جديد، تضيع الهوية وتدخل البلاد فى الفتن والحروب لعقود طويلة من الزمن ينهار فيها كل شىء، الاقتصاد والأمن والدولة والمؤسسات. الزحف الكبير يبشر بسرعة الحسم والانتصار، الكل على قلب رجل واحد، إنها الدولة العريقة التى تنتفض لتاريخها ولحاضرها ولمستقبلها، لا تقنطوا ولا تحبطوا ولا تيأسوا، اقرأوا تاريخ الشعوب المناضلة، لقد انتصرت بصبرها وعنادها وكفاحها، لقد جاءتنا الفرصة مواتية، الشعب كله على قلب رجل واحد، الشعب يريد الخلاص من حكم الجبروت، إنها لحظة تاريخية نادراً ما تتكرر، لقد خسروا فى عام ما لم يخسره مبارك فى ثلاثين عاماً، لو بقى هؤلاء على رأس الحكم فى مصر لضاعت مصر إلى الأبد، إذا انتصروا فى هذه المعركة، انسوا مصر بعد ذلك لعقود طويلة من الزمن، عليكم أن تتحملوا نتيجة الانهيار الكبير، وتفكيك الجيش، الفريق أول السيسى سيكون أول ضحاياهم، ورجال الشرطة وأجهزة الأمن المختلفة سيجرى تفكيكها والمعارضون سيشنقون فى الشوارع وكله بالشريعة، صوت الأزهر سيتلاشى ليحل محله صوت التطرف، لا تستبعد أن يكون وزير الداخلية الجديد عاصم عبدالماجد، ويكون صفوت حجازى وزير العدل، ويكون البلتاجى مديراً للمخابرات العامة ويكون خيرت الشاطر رئيساً للبلاد، سينظرون لنا على أننا كفرة يجب التخلص منهم، ستسيل فى الشوارع دماء كثيرة وسينهار الوطن إلى الأبد. فى زمن الإخوان، والتطرف، لا تحدثنى عن حرية للصحافة أو الإعلام، لا تحدثنى عن تداول سلمى للسلطة، عن عدل اجتماعى بين الجميع، لا تحدثنى عن الأمن القومى لهذا البلد، ستتحول مصر إلى إمارة «طز فيها» ضمن ثمانى إمارات أخرى، ستمتد الأيادى الأفغانية والباكستانية والحمساوية وغيرها لتحكم وتتحكم، لا تسألنى عن سيناء لأنها ستذهب إلى غير رجعة، كل شىء سيضيع وسنبكى بدلاً من الدموع دماً، بعد أن نصبح كالسوريين مشردين فى أنحاء المعمورة. هذا كابوس كبير لن نرضخ له، لن نشترى حياتنا بالعبودية، لن يهددنا هؤلاء الإرهابيون، فيدفعونا إلى البقاء صاغرين مهزومين فى منازلنا، سنخرج ولو كانت هى آخر لحظة فى الحياة، سنصطحب أطفالنا ونساءنا لنحرر مصر من الاستعمار الإخوانى الرهيب ثم نعيد بناءها وطناً للحرية والعدالة، وطناً للمصريين جميعاً، بلا إقصاء وبلا احتكار وبلا عبودية تفرض على الأحرار. من الآن أعدكم بالنصر، سننتصر خلال أيام معدودة، لا تتركوا الميادين وتنصرفوا، اصمدوا، تكاتفوا، ازحفوا إلى الشوارع لتملأوا ما تبقى منها دعوا العالم ينبهر مجدداً بالمصريين، أزيلوا عن كاهلكم غبار الإخوان والإرهابيين، مصر تناديكم فى هذه اللحظة بكل ما تملك من مشاعر وأحاسيس، لا تتركوا مصر تغرق، مدوا لها يد العون، تحرروا من عقدة الخوف، واجهوا القلة الحاقدة بكل جسارة، لا تجعلوهم يجرونكم إلى ساحة العنف والدماء، تمسكوا بالسلمية، اكشفوا الخونة واطردوهم من بين الصفوف. أيام قليلة وسننتصر، حتماً سننتصر وسيكون انتصارنا حاسماً، يصنعه الشعب والجيش والشرطة، لنرسم سوياً ملامح وطن اشتاق إلينا واشتقنا إليه.