«توفير رغيف خبز آدمى ومدعوم للمواطن المصرى دون عناء وبعيدا عن الطوابير المعتادة»، وعد أطلقه الدكتور محمد مرسى، وتعهد بتنفيذه خلال المائة يوم الأولى من توليه مهام منصبه كرئيس، لكن المتخصصين يرون أن تحقيق وعد من هذا النوع سيستغرق وقتا أطول. ويؤكد الخبراء أن توفير رغيف خبز آدمى للمواطن يحتاج دعما ماليا كبيرا، لمد جميع الأفران بالغاز الطبيعى وتشديد الرقابة على المخالفين وتغليظ العقوبات، فيما شكك البعض فى جدوى فصل التوزيع عن الإنتاج والاستعانة ببعض الجمعيات الأهلية فى التوزيع، بحجة أنها قد تتسبب فى تسريب نسب كبيرة من الدقيق إلى السوق السوداء، واتفق الخبراء على أنه يمكن ضبط رغيف الخبز خلال الوقت المحدد، بالاعتماد على زيادة مكافأة الخبازين وربط التوزيع بأعداد المواطنين فى نطاق جغرافى محدد. وبلغة الأرقام، فإن حجم التحديات التى ستواجه خطة الرئيس كبير؛ فمصر ترصد فى الموازنة العامة 18 مليار جنيه دعما للرغيف، وتستهلك سنويا 9 ملايين طن من القمح، وتنتج يوميا من 250 إلى 260 مليون رغيف خبز، تعتمد بنسبة 60% على الإنتاج المحلى من القمح، وتستورد 40%، تتسرب نسبة كبيرة من الدقيق المدعوم إلى السوق السوداء، ولا يصل إلى المواطنين، مما يسبب ظاهرة الطوابير التى يعانيها المصريون. وحدد 13 محورا لدعم رغيف الخبز، أهمها: فصل التوزيع عن الإنتاج، وضبط وزن الرغيف، والسماح للأفران بالعمل بعد الانتهاء من إنتاج الحصة المقررة من قِبَل وزارة التموين، وتغليظ العقوبات على المخالفات، وإشراك جمعيات المجتمع المدنى فى توزيع الخبز، وتيسير تحويل المخابز للعمل بالغاز الطبيعى، وزيادة مكافأة «الخبازين»، ومنح مكافآت وحوافز لمفتشى التموين ترتبط بكفاءتهم فى عملهم. يقول حمدان طه، وكيل أول وزارة التضامن الاجتماعى السابق: إنه من الصعب توفير رغيف خبز دون عناء خلال 100 يوم، مشيرا إلى عدم جدوى عملية فصل التوزيع عن الإنتاج وتحديد أكشاك للتوزيع؛ لأنها سوف تبوء بالفشل -على حد قوله- وجرى تطبيقها فى السابق، وفشلت فشلا ذريعا، لحدوث تسريب للدقيق والخبز المدعم فى السوق السوداء بنسبة وصلت إلى 40%، لكن لو جرى ربط الإنتاج بأعداد السكان، ستنتهى كل المخالفات المتعلقة بتسريب الخبز والدقيق؛ لأن أصحاب المخابز سيحصلون من الدولة على حصة محددة من الدقيق، توفر عددا محددا من الأرغفة، ترتبط فى النهاية بعدد من المشتركين؛ لذا فلن تُسرَّب أى كمية دقيق للسوق السوداء. وانتقد «طه» فكرة إشراك جمعيات أهلية فى توزيع الخبز؛ لأنها ستكون سببا فى تسريب الدقيق والخبز للسوق السوداء، وقال: «جربناها فى وزارة التضامن فى السابق ولم تنجح على الإطلاق، ومهما كانت الجمعيات نزيهة لا تضمن أن العاملين بها لن يوزعوا الكمية بأكملها على الجمهور»، كما انتقد فكرة عمل المخابز بعد إنهاء الحصة العامة، وأضاف: سيتسبب ذلك فى حجب المخابز نسبة من الدقيق المدعوم فى الصباح، لتخبزها ليلا لصالح الخاص. وشكك الدكتور محمد فتحى سالم، أستاذ الزراعة بجامعة المنوفية عضو لجنة الأمن والأمان الغذائى بمنظمة التغذية والزراعة (الفاو)، فى أن ينفذ «مرسى» جميع البنود التى حددها للقضاء على «أزمة الخبز»، لاحتياجها إلى عنصر التخطيط الواقعى، الذى يتطلب الجلوس مع الأطراف المعنية من الحكومة وأصحاب المخابز، لتحديد مشاكلهم وحلها، كما شكك فى قدرة الجهاز الحكومى على إحكام الرقابة بشكل قاطع على عملية تسريب الدقيق المدعوم خلال ال100 يوم. وأكد «سالم» أنه فى حال الاستخدام الجيد لميزانية الخبز التى حددتها موازنة الحكومة هذا العام بنحو 18 مليار جنيه، يستطيع الرئيس حل مشكلة الخبز بشكل جذرى، وتحسين جودة الخبز وقيمته الغذائية، بالاعتماد على الإنتاج المحلى فقط؛ لأن مصر تحتاج إلى 9 ملايين طن من الدقيق، تنتج مصر منها 60% وتستورد 40%، فضلا عن أن التجارب المعملية أثبتت أن القمح المحلى غنى بنسبة بروتين تصل إلى 19%، فيما تقل نسبة البروتين فى القمح المستورد، سواء الروسى أو الأوكرانى أو الفرنسى، التى لا تتجاوز 6%. ونصح الخبير الدولى بالتركيز على تحقيق اكتفاء ذاتى من القمح، مما يدعم الفلاح المصرى برفع قيمة محصوله، وتشجيعه على زراعة القمح، ويحقق عامل الجودة الذى وعد به، لكنه اشترط القضاء على رؤوس الفساد فى مديريات التموين بجميع المحافظات المتسترين على بعض المخالفات لصالح أصحاب المخابز الذين يتسببون فى تسريب نسبة تصل إلى 40% من الدقيق المدعوم. وأكد عبدالله غراب، رئيس الشعبة العامة للمخابز بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن بند زيادة مكافأة الخبازين وأصحاب المخابز هو المدخل الرئيسى لحل الأزمة، مشيرا إلى أن تكلفة رغيف الخبز على أصحاب المخابز لم تُعدل منذ عام 2006، مما يجعل أصحاب المخابز غير راضين عن عملهم، كما أن ارتفاع أسعار العمالة والوقود وجميع المستلزمات أدى إلى انحصار هامش ربحهم. وأضاف «غراب» أن الوعود الانتخابية تختلف عن الواقع؛ لأن الدولة تدعم رغيف الخبز بنسبة كبيرة، وستكون عرضة لأمرين كلاهما صعب تنفيذه: إما زيادة سعر الرغيف لدعم أصحاب المخابز، وإما رفع الدعم عن الخبز، وهذا مستحيل تطبيقه.. واتفق رئيس شعبة المخابز مع فكرة الضبط المؤقت لتداول رغيف الخبز، مستبعدا انتظام تلك العملية لفترات طويلة إذا لم يتطرق الحل لدعم أصحاب المخابز.