رسم البنك الدولي صورة متباينة لأفاق النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرا إلى أن التوقعات بالنسبة للمنطقة ككل لا يزال يهيمن عليها التطورات السياسية المحلية، مع المخاطر المضافة من الطلب الخارجي. وتوقع البنك الدولي في تقريره الصادر مطلع الأسبوع الجاري، بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية" أن يرتفع إنتاج المنطقة ككل بنسبة 2.5 % في عام 2013، وأن ينمو تدريجيا بثبات إلى 3.5% و4.2 % في عامي 2014 و2015، مدعوما من ناحية بالطلب القوي من جانب منطقة اليورو والتوقع بهدوء التوترات السياسية الإقليمية، لكن ربما يتراجع من ناحية أخرى بسبب انخفاض أسعار النفط و تشديد سياسات الاقتصاد الكلي التي تبدأ في تخفيف التوترات المتزايدة فيما يتعلق بالمالية والتضخم. وفيما يتعلق بمصر، يذكر أن التوقعات لا تزال صعبة على المدى القريب مما يعكس ضعف ثقة المستثمر والمستهلك بسبب الانتخابات المقبلة في الخريف، واتساع الاختلالات في الحسابين المالي والجاري والتأخير في التفاوض على برنامج صندوق النقد الدولي. ويشير البنك الدولي إلى أنه من المتوقع أن تستورد مصر الغاز الطبيعي للمرة الأولى منذ عقود ما يضيف مزيدا من الضغوط على التمويل الخارجي للبلاد. وهناك تقديرات رسمية متفائلة بالنسبة لمحصول القمح الوفير خلال العام الجاري في مصر، مما قد يحد من الواردات الغذائية، ولكن بعض المراقبين يعتبر التقديرات متفائلة للغاية. ويوضح تقرير البنك الدولى أنه في ظل عدم وجود أي أزمة كبيرة في المالية أو ميزان المدفوعات بمصر، من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد المصري إلى 1.6% في العام المالي الجاري 2012-2013 مقابل 2.2% العام الماضي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق مصر نمو بنحو 2% خلال العام الجاري، فيما تقول مصر إنها حققت نموا بنحو 2.2% خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، تسعى لرفعه إلى 2.5% بنهاية العام المالي المقررة في 30 يونيو الجاري. ويشترط تقرير البنك الدولي تراجع حدة التوترات السياسية وإجراء إصلاحات، لكي يصل معدل النمو الاقتصادي بمصر إلى حوالي 3% العام المقبل وحوالي 4.8% في العام 2015، على الرغم من أن هذه التوقعات تبقى خاضعة لمخاطر سلبية كبيرة. وفيما يخص تونس، توقع البنك الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي ببطء فيها، على الرغم من تراجع الاضطرابات التي شهدتها البلاد في فبراير الماضي، كما أنه لا تزال هناك توترات بين القوى المحافظة والعلمانية. وأظهرت الصادرات بوادر انتعاش بتونس في الربع الأول من العام الجاري، ولكن بطء وتيرة التعافي في منطقة اليورو، شريكها التجاري الرئيسي، سيخفف مكاسب الطلب الخارجي وتدفقات السياحة في عام 2013. وفقا لذلك، يتوقع البنك الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي بتونس إلى نحو 3.8% في عام 2013، وهي نسبة أعلى قليلا من 3.6% في عام 2012، وأن يرتفع تدريجيا إلى حوالي 5% في عام 2015 شريطة تحسن البيئة الخارجية والداخلية. وفيما يتعلق بالأردن، توقع التقرير الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي في المملكة إلى حوالي 3.3% في عام 2013، مقابل 2.8% في عام 2012، بينما تتحسن الثقة في الاقتصاد بفضل الإصلاحات التي تم تطبيقها في إطار برنامج صندوق النقد الدولي، ويعكس أيضا دفعة للمعنويات والنشاط بعد توقيع صفقة بقيمة 18 مليار دولار مع العراق لبناء خط أنابيب النفط من جنوب العراق إلى العقبة غرب الأردن. ومن المتوقع أن يكتمل خط الأنابيب بحلول عام 2017، ومن شأنه المساعدة على تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر والنشاط المحلي وزيادة النمو إلى أكثر من 4% بحلول عام 2015، ومع ذلك لا تزال هناك مخاطر الهبوط بسبب النزاع في سوريا. ويرى التقرير أن اقتصاد المغرب سيتفيد من انتعاش إنتاج القطاع الزراعي، الذي سيرفع معدل النمو إلى حوالي 4.5% في عام 2013 من 2.7% في عام 2012، وسيبقى قويا إلى ما دون 5% في المدى المتوسط مدعوما بالانتعاش في منطقة اليورو. ويقول التقرير إن النمو الكلي بين البلدان المصدرة للنفط سيتباطأ في المدى القريب، مما يعكس استقرار الإنتاج إلى وتيرة أكثر استدامة في ليبيا، والركود في إيران وتراجع الإنتاج والتصدير في الجزائر والعراق. وتوقع البنك الدولى أن يرتفع معدل النمو في الجزائر بشكل معتدل إلى حوالي 2.8% في عام 2013، مقابل 2.5% في عام 2012. وفيما يتعلق بإيران، توقع التقرير أن يظل الاقتصاد الإيراني ضعيفا حتى يتسن الوصول إلى قرار مع الحكومات الغربية حول الملف النووي، كما سيتراجع الاستثمار المحلي واستهلاك الأفراد بالبلاد، ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد الإيراني نموا بحوالي 1.9% في عام 2015 أي أقل بكثير من متوسط النمو بحوالي 4.5% بين عامي 2000 و2009. ويذكر التقرير أنه على الرغم من توقيع اتفاق مبدئي بشأن مدفوعات النفط بين الحكومة العراقية ومنطقة إقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي، الذي تم التوصل إليه في مطلع مايو الماضي، فإن خطط طويلة الأجل لزيادة إنتاج العراق من النفط إلى حوالي 3.3 مليون برميل/ يوميا مقابل حوالي 3 ملايين برميل يوميا، ربما تواجه تحديات في ضوء التوتر الأخير بين الجانبين، وأيضا نظرا لحجم الاستثمار المطلوب في البنية التحتية اللازمة لتحقيق زيادة الإنتاج. وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يظل معدل النمو بالعراق في العام الحالي قريبا من معدل العام الماضي حوالي 8.5%، وازدادت المخاطر على المدى القريب في ضوء تصاعد وتيرة الصراع في الأشهر الأخيرة. وتوقع التقرير أن تتعافى تدفقات رأس المال تدريجيا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وترتفع إلى حوالي 30 مليار دولار في عام 2015، مدعومة أساسا بزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر شريطة تراجع حدة التوترات السياسية، مما يعكس فرص الاستثمار في البنية التحتية في الدول صاحبة الاقتصادات المستوردة والمصدرة للنفط على حد سواء بما في ذلك الجزائر والعراق والأردن. وقال البنك الدولي إن تدفقات رؤوس الأموال الخاصة إلى مصر من المرجح أن تظل ضعيفة في المدى القريب بسبب استمرار عدم اليقين في البلاد، ومع ذلك سترتفع التدفقات، بما في ذلك التدفقات القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي في قطاعي البناء والسياحة. وبالنسبة للمنطقة، فمن المتوقع تعافي التدفقات للاستثمار في سوق الأسهم ولكن ستظل متواضعة مقارنة مع زيادة التدفقات لسوق السندات.