ما إن ينتعش جيب المواطن ببعض الجنيهات من مرتب أو حافز، حتى يسارع إلى مكاتب التموين المختلفة للحصول على السلع التموينية، التى توفرها له الدولة بسعر أرخص وكميات تحددها بطاقته التموينية، ليعود بأرز وزيت وسكر، على أمل أن تساعده على سد رمق أسرته وأطفاله حتى آخر الشهر. ذهبت «الوطن» إلى بعض مدن وقرى «المنيا»، عروس الصعيد، ففيها حصل الأهالى على «تموين» شهر مايو، دون السكر، وتعددت شكاواهم من سوء السلع التى توفرها الحكومة. قال أحمد محمود شعبان، عامل بالصحة من قرية القيس التابعة لمركز بنى مزار، إن 3 أفراد مقيدون فى بطاقته التموينية، وعندما ذهب لشراء تموين شهر 5 لم يجد حبة أرز واحدة، وحين سأل مكتب التموين كان الرد أن المورد لم يُحضر معه الأرز، على الرغم من أن الأرز متوافر فى المحافظات الأخرى، مثل القاهرة وغيرها.[FirstImage] أضاف شعبان: «لم أغضب كثيراً عندما لم أجد الأرز، فهو على أى حال يأتينا فى أسوأ وأردأ أنواعه، بحيث لا يصلح إلا للحيوانات، وفيه من (السوس) وأحياناً (الدود) ما يصرفك عنه، إلا أننا كنا نقبله لسعره الرخيص، فليس باليد حيلة، ونفس الأمر مع باقى السلع التموينية، لا تصلح للاستخدام الآدمى، فالزيت له (طنة) غريبة، وكلما استخدمناه فى إعداد الطعام أعرف أننى سأمرض بعدها، وعندما ذهبت مرة إلى أحد الأطباء طلب منى أن أتوقف عن طهى الطعام بمثل هذا الزيت». شعبان سأل «البقال» عن زيت أفضل، فكان الرد أنه لا يمنح شيئاً، وإنما فقط يوزع على المواطنين ما تجلبه إليه الوزارة، و«اللى عاوز يشتكى يروح الوزارة». لا تختلف شكوى ناصر فؤاد عن سابقه، فهو يبلغ من العمر 50 سنة، ولا مصدر رزق له إلا من عمله «ملاحظ صحى»، ينتظر بفارغ الصبر صرف الحافز، فيسرع إلى أحد البقالين التابعين للتموين الموجود فى بندر بنى مزار بالمنيا ليصرف زيته وسكره وأرزه، لكنه فوجئ بأنه لا يوجد أرز هذا الشهر، فسأل رفاقه فتبين له أن المشكلة عامة تخص كل محافظة المنيا، قال: «إيش حال لو مكنش الرز كله سوس ودود، والزيت لا يصلح ولو لقلية الأكل لا للطبخ؟ دا التموين مفيهوش إلا السكر بس اللى بنستفيد منه»، عندما غاب الأرز عن تموين شهر مايو لم يجد ناصر نقوداً يشترى بها الأرز من السوق، فرغم حالة السلعة السيئة فإنه لا يملك إلا أن يتحملها نظراً لرخص ثمنها، وفى المقابل لا يمتلك البقال رداً على غياب الأرز، يقول ل«ناصر» بشكل واضح: «روح اشتريه حر من مكان تانى». قال ملاحظ الصحة إنه يتمنى أن تُحل المشكلة فى أسرع وقت، وأن تكون هناك رقابة من مصر على الصعيد فى السلع التموينية التى تمثل عصب غذائهم الشهرى. وقال المهندس أيمن جمال، 38 سنة، إن الأرز لم يصرف ضمن السلع التموينية منذ شهرين وليس شهراً واحداً، أضاف: «أنا أتبع مكتب تموين قرية أبوجرج التابعة لمركز بنى مزار، وعندما شكوت من غياب الأرز الذى تأكله أسرتى المكونة من 4 أفراد، أجابنى البقال: لا توجد حبة أرز واحدة فى المخازن، وألقى بالمسئولية على الموردين الذى لا يعبأون بالصعيد ومشاكل أهله وطلباتهم»، لا يأكل المهندس أيمن من قلى زيت التموين، بل يذهب ليبيعه ل«بتوع الطعمية» ويأخذ نقوده ليشترى بها زجاجات زيت من محلات البقالة. وعن حالة المواد التموينية، قال أحمد عزت، مدرس لغة عربية، بقرية إشروبة: «لا أستطيع دخول المنزل من رائحة زيت التموين عندما يستخدم فى القلى، فمعظم سلع التموين سيئة للغاية، ويجب الاهتمام بها وتحسينها حتى لا تتحول إلى مال مهدر». بطاقة عزت تضم 6 أفراد، عندما ذهب لشراء الأرز ضمن البطاقة لم يجده، يقول إنه رغم رداءة الأرز فإنه يضطر وأسرته إلى أكله، يلفت إلى أن فرق كيلو أرز التموين وكيلو الأرز العادى يصل إلى 4 جنيهات كاملة، أضاف: «منذ زمن وهناك حالة من النقص الدائم فى سلعة الأرز، وما حدث نتيجة تراكمات عديدة من الإهمال». يحصل عصام مصطفى، مهندس زراعى، على السلع التموينية من بقال بعزبة الصباح التابعة لقرية العباسية بمركز مغاغة، عمره 43 سنة، ويعمل فى محل للبذور الزراعية، وبطاقته التموينية تحتوى على 3 أفراد، حين ذهب فى موعده الشهرى لشراء التموين، فوجئ بأنه لا أرز هذا الشهر، قال: «فى الشهور السابقة كان من الممكن أن يغيب نصف الأرز أو ربعه، لكن ألا يكون موجوداً بالمرة ولا حتى كيلو واحد، فهو أمر غير مقبول»، يستبدل المهندس الزراعى الأرز، ويرى أنه من الأفضل لو حصل على زجاجتين من الزيت النظيف بدلاً من 4 لا تصلح لشىء. قال أحمد الميرغنى، 36 سنة، إنه لم يصرف الأرز هذا الشهر، لكن الأرز يمكن تعويضه، المشكلة من وجهة نظره فى الزيت الردىء جداً و«وجوده كعدمه»، حسب قوله، أشار إلى أن فرق زيت التموين عن العادى بالأسواق يصل إلى نحو 9 جنيهات فى الزجاجة، يدفعها زيادة إذا ما أراد شراء زيت حر، لذلك يضطر إلى بيع كل زجاجات زيت التموين التى يحصل عليها مقابل الحصول على زجاجة واحدة من الزيت الحر. يلقى باللوم على المنظومة كلها، بدءاً من الوزير ومروراً بالموردين وانتهاءً بالبقالين.