فشلت المرحلة الانتقالية التى قادها العسكر خلال 15 شهراً، ورجعنا للمربع الأول بعد حل مجلس الشعب، وتعثر تشكيل لجنة الدستور، والخلاف والصراع حول الإعلان الدستورى المكمل، ثم نتائج الانتخابات الرئاسية، وبدت المرحلة الانتقالية الثانية غامضة ومأزومة من قبل أن تبدأ، خاصة أن العسكر يستخدمون ذات المناهج والأساليب التى قادت إلى فشل الانتقالية الأولى. لذلك نحتاج للتفكير خارج الصندوق وبطريقة ابتكارية تتجاوز القوانين والإجراءات العقيمة التى نظمت قواعد اللعبة السياسية فى المرحلة الانتقالية وأنتجت ديمقراطية صندوق شكلية وغير معبرة عن ثورة 25 يناير وأهدافها المشروعة فى إسقاط النظام والعدالة الاجتماعية. نعم نحتاج لإسقاط قانون الانتخاب ولجنته وكذلك قانون انتخاب الرئيس وشروطه الغريبة، والأهم لجنته التى لا يجوز الطعن على قراراتها، رغم كثرة أخطائها واستخدامها لمعايير مزدوجة. وحتى ننقذ مصر من مخاطر الانقسام والاقتتال حول شخصية الرئيس الفائز أقترح إلغاء الانتخابات الرئاسية لما شابها من تزوير، كذلك لا قيمة لرئيس منزوع الصلاحيات، ثم لا معنى لوجود رئيس فى نهاية مرحلة انتقالية فاشلة كانت تفترض وجود دستور وبرلمان، لذلك يجب البدء من جديد بمرحلة انتقالية لا تزيد عن سنة ويقودها مجلس رئاسى يشارك فيه ممثل عن المجلس العسكرى، إضافة لشفيق ومرسى وحمدين وأبوالفتوح وعمرو موسى والبرادعى والغريانى وآخرين. ويراعى توسيع القاعدة التمثيلية للمجلس الرئاسى قدر الإمكان ليشمل كل القوى والتيارات الرئيسة فى المجتمع، ضماناً لاستعادة الوحدة الوطنية وجسر الفجوات والانقسامات التى عانى منها المجتمع فى الفترة الماضية، ويقوم المجلس الرئاسى بكتابة دستور أولاً وتطهير القضاء والشرطة، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. العودة للمجلس الرئاسى تعنى العودة للشرعية الثورية، وتجاوز قيود الإعلان الدستورى الأصلى والمكمل، لأن كلا منهما صدر عن المجلس العسكرى وهو جهة غير منتخبة ولا يحق له إصدار إعلان دستورى إلا استناداً إلى الشرعية الثورية التى اصطدم بها عندما تعامل مع الثورة باعتبارها مجرد وسيلة للتخلص من التوريث وبعض الوجوه مع الإبقاء على النظام. وأعتقد أن العودة للشرعية الثورية والمواد التى استفتى عليها الشعب تعنى بوضوح العمل بدستور 71 بعد تعديله. للخروج من الأزمة على المجلس العسكرى الانتصار للشرعية الثورية وتسليم السلطة لمجلس رئاسى يحكم البلاد ويعود الجيش إلى ثكناته، مع التزامه بمساعدة الشرطة فى تحقيق الأمن والاستقرار -لم يتحقق خلال الانتقالية الأولى- وفق ما يراه المجلس الرئاسى. وأعتقد أن صعوبات تشكيل مجلس رئاسى ومشاكله أقل كثيراً من مخاطر شبح الديكتاتورية العسكرية الذى يلوح فى الأفق. كما أن أخطاء المجلس الرئاسى والنخبة السياسية ستكون أرحم كثيراً وأقل ضرراً من خطايا العسكر فى المرحلة الانتقالية. إذا كان لا بد أن نبدأ مرحلة انتقالية ثانية فلنبدأ بمنهج جديد وأساليب غير تقليدية، ترتبط بالشرعية الثورية التى حاولت قواعد ديمقراطية الصندوق الشكلية القضاء عليها، وسعى بعض الإعلاميين الفلول لإعلان موتها تحت دعوى أن الثورة انتهت مع إجراء الانتخابات وتشكيل البرلمان، لكن الشرعية الثورية وعبر عديد من الموجات الثورية أثبتت قدرتها على الاستمرار وإقامة علاقات معقدة مع الشرعية البرلمانية وشرعية الصندوق، علاقات تقوم على التعاون والتكامل أحياناً، وعلى الصدام فى بعض الأحيان، لكن حان الوقت لتغليب الشرعية الثورية لأنها أساس كل الشرعيات ويمكنها الاستمرار بأشكال أخرى فى ظل شرعية الانتخابات والمؤسسات المنتخبة، طالما كانت قيم وأهداف الثورة هى أساس النظام الانتخابى وقواعد اللعبة السياسية فى المرحلة الانتقالية الثانية التى لا بد أن تبدأ ومن دون تأخير.