سواء أعلن عن فوز شفيق أو مرسي فإن مصر لن تخرج من أزمتها, فقد انقسم المجتمع بين المرشحين, وعادت المظاهرات للميادين, وصدر إعلان دستوري مكمل ترفضه أغلب القوي السياسة. بعد حل مجلس الشعب, ما يعني أن المرحلة الانتقالية فشلت برغم إعلان المجلس العسكري عن تسليمه السلطة نهاية الشهر الحالي. الأزمة خطيرة ومرشحة للانفجار, وكل الأطراف تورطت فيها وارتكبت أخطاء, وبالتالي لابد من مخرج, ينقذ الثورة ويحافظ علي سلامة مصر وأمنها, وهذا المخرج يتلخص في العودة لشرعية الثورة لأنها هي الشرعية التي أسست للمرحلة الانتقالية, ومكنت المجلس العسكري من الحكم وإصدار الرعلان الدستوري, وقواعد اللعبة السياسية, وقوانين وإجراءات الانتخابات, لكن إنجازات ومؤسسات المرحلة الانتقالية انهارت فلا برلمان, ولا لجنة لكتابة الدستور, والأهم لا تثق القوي السياسية في قواعد اللعبة الديمقراطية, ونتائج صندوق انتخابات الرئيس. إذن العودة للبداية أمر منطقي, والبداية هي الشرعية الثورية المؤسسة, وهي عملية ممكنة لأن شرعية الثورة في الميادين لم تمت ولن تخرج كلية عن معادلات السياسة في مصر, بل ظلت فاعلة ومؤثرة خلال16 شهرا هي عمر ثورتنا, برغم محاولات بعض الكتاب والفلول وأشباه الفلول إيجاد تعارض بين الشرعية الثورية في الميادين, وشرعية القانون والصندوق, وادعاء أن ثورة يناير انتهت منذ انتخابات البرلمان!! الثورة المصرية لم تحقق أهدافها في إسقاط النظام السياسي, وتحقيق العدالة الاجتماعية, والكرامة الإنسانية, ولم تكن الحرية والديمقراطية سوي أحد أهدافها, وللأسف جري التحايل علي تحقيق هذا الهدف وتشويهه, من خلال سلسلة من القوانين والإجراءات التي لم تتحاور أو تتفاوض حولها القوي السياسية, وإنما فرضها العسكر علي الجميع, بداية من الإعلان الدستوري الذي صدر في62 مادة, بينما لم يستفت الشعب إلا علي7 مواد فقط, وبرغم اعتراض القوي السياسية جري العمل به, وشكلت مواده قواعد اللعبة الديمقراطية, وللأسف لم تعترض القوي السياسية وخاضت الانتخابات البرلمانية علي أساسها. لكن القوي السياسية لم تكن راضية علي قواعد اللعبة السياسية, وبالتالي يصعب عليها التسليم بها, ويصعب عليها التخلي عن الشرعية الثورية, لذلك خاض الإخوان وكثير من الأحزاب الانتخابات, لكن مشاركتهم ظلت قلقة, فهي مشاركة المرغم والمضطر وغير الواثق, لكنها مشاركة لا تخلو أيضا من انتهازية سياسية, إن جاءت لمصلحتهم تناسوا الشرعية الثورية, وإن لم تأت لمصلحتهم عادوا للميادين والشرعية الثورية علي أمل إصلاح قواعد اللعبة السياسية, لكن قواعد اللعبة متحركة وغير مستقرة بدورها, فالعسكر يغيرونها بحسب مصالحهم وموازين القوي, فقد حلوا عبر القضاء العادل مجلس الشعب واستعادوا سلطة التشريع, وأصدروا إعلان دستوري يجعل المجلس العسكري مستقل بأمور الجيش.هكذا أفرزت تجربتنا الثورية علاقة مرتبكة ومتداخلة بين الشرعيتين الثورية والانتخابية, وكان هذا التداخل يشهد أحيانا صدامات بين الشرعيتين وأحيانا تعاونا متكاملا, كما حدث في موقف البرلمان من حكومة الجنزوري وقانون العزل. وأعتقد أن الصدام بين الشرعيتين يعني أن ثورتنا لم تكتمل, وأن قواعد اللعبة الديمقراطية لم تعكس روح ثورتنا وقيمها, كما يجسدها البرلمان أو حكومات ما بعد الثورة, من هنا كان التعارض بل الصدام بين الشرعيتين أمرا متوقعا, ونتيجة طبيعية لمحاولات حصار الشرعية الثورية والقضاء عليها لمصلحة عملية سياسية, وانتخابات مطعون في شرعيتها ونزاهة وحيدة القوانين والإجراءات المنظمة لها, فمن غير المفهوم وفق منطق الشرعية الثورية تحصين اللجنة المشرفة علي الانتخابات الرئاسية, والسماح بظهور أحزاب علي أساس ديني, وأن يجري الخلط في الانتخابات بين السياسي والدعوي والعمل الخيري, ومن غير المعقول عدم تطبيق قانون العزل وتحويله من جهة غير مختصة للمحكمة الدستورية, التي تسرع علي غير عادتها في إصدار أحكام بعدم دستورية القانون وحل مجلس الشعب الهيئة السياسية الوحيدة المنتخبة. أعتقد أن فشل المرحلة الانتقالية والأزمة الحالية يفرض علي كل القوي السياسية ما يلي: 1 الاعتراف بفشل القواعد والأسس التي قامت عليها شرعية الانتخابات والصندوق. 2 التخلي عن منهج التفكير والعمل الذي قاد المرحلة الانتقالية وأدي لفشلها. 3 تشكيل مجلس رئاسي مدني يقود البلاد لمدة12 شهرا تجري خلالة كتابة الدستور, وانتخابات مجلس الشعب والرئيس وفق قانون وإجراءات انتخابية جديدة تتوافق عليها كل القوي السياسية, ويراعي توسيع قاعدة المجلس الرئاسي بحيث يضم ممثلين عن كل القوي السياسية والمجلس العسكري, وتخول له سلطة التشريع, ويشكل وزارة ائتلافية لإدارة البلاد.