كانت أصغر أبناء أبويها والأقرب إلى قلبهما، وحلمهما الذى ظلا سنوات ينتظران تحقيقه، لكن إهمال عمال شركة الغاز، جعلهما يخرجان لها شهادة وفاة، بعد موتها بالحرق نتيجة إشعال أحدهما سيجارة بجوار السخان الذى يصلحانه بالشقة. إنها الطفلة «ميسون» التى لم يتجاوز عمرها 4 سنوات، والتى كانت جريمتها أنها وقفت لتتفرج على عمال شركة الغاز، وهم يصلحون سخاناً بشقتها، فإذا بها تحرق بطريقة بشعة، بسبب إشعال أحدهم سيجارة، ولما تسبب ذلك فى حريق، لم يبال بعذابها، وكان همه وزميليه إخفاء معالم جريمتهم، ليفروا هاربين، وينقلها الجيران إلى المستشفى لتموت بعد ساعات. الجدة التى كانت شاهدة على الحادث، قالت: «تركت لى ابنتى حفيدتىّ لأرعاهما لأنها ستسافر للعلاج إلى القاهرة وتعود فى نفس اليوم، ودق باب شقتى 3 عمال من شركة «ريجاز» أحدهم معه سيجارة، وتركت باب الشقة مفتوحاً للأمان، فخرجت الطفلتان تلعبان، أمام باب الشقة بالدور الأول، وفجأة خرج ال3 من الحمام، أحدهم يمسك بإناء يتساقط منه كتل نارية مشتعلة فسألته ماذا جرى؟ فقال البيت «هيولع يا حاجة»، وقذف بكل قوته الإناء، أمام باب الشقة المواجه لنا فجريت إلى الخارج وقفزت «إيمان» من أعلى السلم لتهرب من النيران، وبحثت عن «ميسون» ولم أجدها فسمعت صوتاً من خلفى يقول «النار» ووجدتها مغطاة باللهب وعرفت أن الإناء سقط عليها». وأضافت «انتبه الجيران للصراخ، لكنها كانت كومة لحم تتساقط، وقبل أن ننقلها للمستشفى، فر العمال هاربين ومعهم سجادتان وإناء الجريمة». ويحكى «عبده لطفى السيسى» 49 سنة، مساعد مدير عام بنك التنمية الزراعية: «كنت مع زوجتى وجاءنى تليفون فى طريق العودة «تعالَ الحق ميسون فى المستشفى» ولم أتخيل أن تقتل بهذه الطريقة البشعة». ويضيف «فر العمال دون أن يستيقط ضميرهم على فعلتهم الشنعاء، دون مساعدة طفلة تحترق، وعجوز لا قوة بها، وياريت كانوا حرقوا الشقة ولم يحرقوا ميسون ويحرقوا قلبى معها». ويؤكد أن القضية أكبر بكثير من مقتل طفلة بسبب الإهمال بل هى سلسلة متكاملة الأركان من الجهل وعدم المسئولية وغياب الدين، حيث عامل يشرب سيجارة، وهو يشتغل بمواد شديدة الاشتعال، ويعرض حياة العملاء للخطر، دون تأهيله لدورات تدريبية لتجنب وقوع أو تدارك الكوارث وقت حدوثها، وكذلك تجاهل الشركة وجود وسائل الحماية وأدوات الأمن الصناعى، فهم ليسوا مخطئين وإنما مجرمون. ويتكلم: «حلمت بميسون ابنتى وحبيبتى وفلذة كبدى يوماً ما مهندسة أو طبيبة أو معلمة وكانت تحتوينى بذراعيها وتداعب بأناملها الصغيرة رأسى، وأمسح بخدى وجهها الناعم الجميل، وتحكى لى حواديت كما لو كانت ناضجة لأتعلم منها، واستيقظت بعد 4 سنوات لتقتل ابنتى عمداً مع سبق الإصرار»، مؤكداً «لن يضيع حق ابنتى إلا بموتى». واتهم الأب وزير البترول أولاً فى مقتل ابنته ثم الشركة لتعيين عمال عديمى الضمير بدون تدريب يجهلون محتوى «التنر أو النبلم» سريع الاشتعال. وأوضح: سألت العامل المحترق ظهره فى مستشفى بورسعيد العام بعد رفضه الاعتراف بالجريمة «هل صاعقة من السماء نزلت على ميسون وحرقتها؟» فرفض التكلم لكن زميليه اعترفا عليه أمامى. وتحاول الأم الكلام: «عدت لأجد ميسون كتلة منصهرة بدون عينين، أكلت النيران معظم أجهزتها، واختفى تماماً الجهاز التناسلى وعندما كانت تفيق تقول: الحمد لله واحضنينى يا ماما، ثم ماتت بعد ساعات». وتتحسر «ياريت كانت سقطت من البلكونة أو صدمتها سيارة كان أرحم من الموت بيد عمال بهم خسة وندالة تركوا ابنتى وهربوا دون مساعدة وهى تحترق». «إيمان» أخت «ميسون» تعالج لدى طبيبة نفسية متخصصة من أثر الصدمة، تقول «كنت أحب أختى وأخاف عليها وأعلمها ما أتعلمه فى المدرسة وكانت تسمع كلامى ونلعب مع بعضنا بالعرائس وهى وحشتنى جداً ونفسى أشوفها».