المنصة واحدة والقفص واحد، لكن اختلفت هيئة المحكمة لثلاث مرات، فبعد أن اتجهت الأنظار كلها للمستشار أحمد رفعت، رئيس محكمة الجنايات، بصفته أول قاضٍ يحاكم رئيساً مصرياً سابقاً، عادت من جديد لنفس القاعة لكن يعتلى منصتها المستشار محمود كامل الرشيدى الذى يبدأ القضية من نقطة الصفر. ورث «الرشيدى» تركة ثقيلة من المحاكمة الأولى وحتى جولة الإعادة، فبعد أن كانت القضية التى أُحيل فيها الرئيس السابق حسنى مبارك ونجلاه والعادلى ومساعدوه الستة إلى الجنايات، وبلغ ملفها 9248 ورقة بالتمام والكمال، تداولتها دائرة الجنايات الأولى وأسندت للمستشار مصطفى حسن عبدالله، مهمة إعادة المحاكمة إلا أنه تنحى عن نظرها لاستشعاره الحرج، وفى تلك الغضون وصل ملف القضية إلى 55 ألف ورقة تقريباً، بالإضافة إلى قرابة ألف أخرى عبارة عن التحقيقات التكميلية التى أجرتها النيابة العامة فى الفترة الماضية. يواجه المستشار «الرشيدى» العشرات من المحامين المدعين بالحق المدنى، ودفاع المتهمين الذين يريد جميعهم أن يثبت طلباته ويتحدث للمحكمة فى نفس الوقت، وهو ما سيجعل الجلسات القادمة أكثر احتياجاً للتعامل بحكمة من جانب المستشار «الرشيدى»، الذى أخطأ فى مناداته للمتهم علاء مبارك، بقوله «عباس مبارك»، المشهد يبعث على الارتباك. لم يمنع الحدث المستشار «الرشيدى» من التحدث عن تاريخه فى القضاء، فالرجل الذى تعدى الستين من عمره، قال خلال الجلسة الأولى إنه عمل بالقضاء لأكثر من 40 عاماً لم يغادر يوماً محراب العدالة، وأكد أنه سيموت فى مصر وينزل إلى القبر ولن يجد مَن يشفع له فى حال انحاز لأحد أو سمح بأى خلل فى عمله، كما رفض أن يثنى عليه المحامون خلال نطقه بتلك الكلمات قائلاً: «لو كان فيه حد ممكن يمدحنى فممكن يكون فيه حد يذمنى وأنا لا أسمح بهذا ولا ذاك»، ورفض التصفيق والتهليل وحاول بكل هدوء السيطرة على ثورة المحامين التى اندلعت داخل القاعة ما بين مؤيد لمبارك ومعارض له. كرر «الرشيدى» كلامه خلال الجلسة أنه طيلة ال23 يوماً الماضية، عمل جاهداً على قراءة أوراق القضية، وحاول تنظيم عملية دخول المحامين المدعين بالحق المدنى وعن المتهمين، حتى إنه حاول أن يقصر حضور محامٍ واحد عن كل أسرة شهيد أو مصاب، لكن اعترض المحامون فقال إنه سيسمح بأى عدد، ليقرر فى النهاية عمل مكتب فى التجمع الخامس لتنظيم التعامل مع المحامين فى القضية التى تعتبر القضية الأهم فى حياته المهنية دون مبالغة. الحكم الذى سيصدره «الرشيدى»، أياً كان، سيُضم لتاريخ محاكمة القرن التى ستبقى حدثاً تاريخياً يتناقله الأجيال، فمبارك هو الرئيس الوحيد من رؤساء الدول التى اجتاحتها ثورات الربيع العربى الذى وقف فى قفص الاتهام، ينتظر كلمة العدالة.