لم أصدق نفسى عندما قالوا إن الرئيس الدكتور محمد مرسى فى طريقه إلى موسكو. وذُهلت عندما وجدت رموز الإخوان يحتلون الفضائيات ويقارنون بين اتجاه «عبدالناصر» إلى الاتحاد السوفيتى وسفر «مرسى» إلى روسيا. باعتباره اتجاهاً نحو الشرق. وأنه ضربة قاصمة للغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبى. ولو أن جهابذة الإخوان ومن اقترحوا على «مرسى» الرحلة -ويتردد أنه عصام الحداد- قرأوا الواقع بعناية لما أقدموا على هذه القفزة نحو المجهول. فالمؤكد أن «بوتين» الذى استقبل «مرسى» فى «سوتشى» -قال الإخوانيون إنه أكبر مصيف فى العالم، فيا عجبى- ولم يستقبله فى «موسكو». وهذا ما دفع عميد المراسلين العرب فى موسكو الدكتور سامى عمارة لوصف الأمر بأنه مهزلة ومأساة كبرى. لن أتوقف أمام وصف الرحلة بأنها زيارة رسمية أم ودية. لأن مؤسسة الرئاسة لو فكّرت لأدركت أن «بوتين» ومعه المستعربون الروس يرون أن ما نسميه الربيع العربى هو مؤامرة أمريكية غربية لاستبدال الطغاة العرب حلفاء أمريكا بالإسلام السياسى المعتدل الذى يمكن أن يواجه إسلام «القاعدة» المتطرّف. فيُصفى هذا ذاك ويعفيهم من أى مواجهة. هل يمكن إنكار أن «موسكو» لا ترى فى جماعة الإخوان المسلمين أكثر من كونها منظّمة إرهابية تقوم على أساس دينى. وأن «موسكو» لم تغيّر رأيها هذا. لا فى الماضى ولا فى الحاضر ويحول دون تغييره فى المستقبل بؤرة الشيشان التى تُسبّب لهم قلقاً كبيراً. خصوصاً بعد أن قالت أمريكا إن الاثنين اللذين قبضت عليهما فى التفجيرات الأخيرة من الشيشان. يتحدث الرئيس «مرسى» عن توافق تام مع «بوتين». فهل كان هناك توافق فى الموقف من سوريا؟ الرئيس «مرسى» لا يتحدث إلا عن رحيل بشار الأسد. والرئيس بوتين لا كلام له إلا عن بقاء بشار الأسد. وما يجرى فى سوريا لا وصف له عند الروس سوى أنه مؤامرة غربية لتقسيم سوريا. ولضرب تحالف «إيران - سوريا - حزب الله» فى مواجهة التطوّرات الكثيرة التى تملأ المنطقة العربية. أى رحلة يقوم بها رئيس مصر لا بد أن يكون لها هدف. وأن تُدرس جيداً. وأن تعد ملفات حقيقية عن المنجز المتوقّع. وأيضاً عن الآثار الجانبية التى يمكن أن تحدث خلال الزيارة. هكذا تتصرّف الدول الكبرى. ومصر كانت حتى لحظة اغتصاب الإخوان لحكمها دولة إقليمية كبرى. يُعْمَلْ لها ألف حساب. وعندما كان «عبدالناصر» يصل «موسكو» كانت إجراءات استقباله تصل إلى حدود الأساطير السياسية. أما الطلبات المالية والاقتصادية، وحتى لو صدقنا ما قاله بعض شباب الإخوان فى الفضائيات من أن الرئيس مرسى ذهب إلى موسكو حتى تساعدنا فى تصنيع السلاح النووى. فكل هذا لا يندرج إلا تحت بند تقزيم مصر وتقليل دورها وجعلها دولة هامشية. تقوم سياستها الخارجية على أساس التسوُّل.