كما شددتُ بالأمس، وطالبت خلال السنوات الماضية مراراً كلما وقعت أعمال عنف طائفى ضد الأقباط ودور عبادتهم ومنشآتهم، إنْ قبل ثورة يناير أو بعدها، لا سبيل إلى القضاء على العنف الطائفى هذا إلا بتطبيق القانون ومحاسبة المتورطين فى العنف والمحرّضين عليه، وبمواجهة صناعة التطرف الدينى وإيقاف الترويج المستمر لخطابات الكراهية ضد الأقباط التى تسفّه من معتقداتهم الدينية وتنزع عنهم إنسانيتهم، وبالدفاع عن مواطنة الحقوق المتساوية دون تفرقة بين المصرية المسيحية والمصرى المسلم. غير أن العنف الطائفى لا ينبغى أن ينظَر إليه مجتمعياً وسياسياً بمعزل عن كارثة القوانين والممارسات التمييزية ضد الأقباط فى مصر. نعانى من قوانين ذات مضامين تمييزية فى مجال الأحوال الشخصية، كخانة الديانة فى بطاقات الهوية (الرقم القومى). نعانى من قوانين ذات مضامين تمييزية فى مجال السياسة، كقانون الانتخابات الذى يناقش حالياً بمجلس الشورى ويطلق حرية استخدام الشعارات الدينية التى أبداً لن تكون إلا شعارات إسلامية وستعصف من ثم بتكافؤ الفرص فى المنافسات الانتخابية. نعانى من قوانين ذات مضامين تمييزية أو تعجز عن مناهضة التمييز بحسم فى مجالات الحريات الدينية وممارسة الشعائر، كمواد قانون البناء المتعلقة بدور العبادة والقوانين التى تعثر إصدارها إلى اليوم كالقانون الموحد لدور العبادة. نعانى على صعيد آخر من ممارسات تمييزية، بعضها ممنهج، فى مجالات التوظيف بالمؤسسات العامة والخاصة، وفى المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، وفى إدارة الأجهزة الأمنية لدورها تجاه حماية حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، وفى فعل الأجهزة التنفيذية للدولة خاصة على مستوى الوحدات المحلية والأحياء. تنقية القوانين المصرية، إذن، من المضامين التمييزية وإضافة حزمة قوانين مناهضة للتمييز على أساس الانتماء الدينى أولوية مجتمعية وسياسية، شأنها شأن وقف الممارسات التمييزية من قبل المؤسسات العامة والخاصة. فبيئتنا المصرية التى تكرس بها التمييز تصاعدت بها أعمال العنف الطائفى وصناعة التطرف، ولن يقضى على العنف والتطرف إلا العمل بأدوات قانونية وعملية على مناهضة التمييز. لذلك، وبجانب مجلس العدالة والمساواة الذى أعلن الرئيس المنتخب عن إعادة تشكيله وتفعيله والذى يستطيع أن ينشط فى مجالات الإنذار المجتمعى المبكر ومواجهة صناعة التطرف ونشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك، أطالب بإنشاء ديوان مظالم لمناهضة التمييز يلحق بالسلطة التشريعية (البرلمان) ويختص من جهة بالبحث فى تنقية القوانين المصرية من المضامين التمييزية وإرسال مقترحاته إلى البرلمانيين المنتخبين لمناقشتها وتمريرها، ويتعقب من جهة أخرى كافة الممارسات التمييزية التى تتورط بها مؤسسات عامة أو خاصة ضد مصريات أو مصريين على أساس الانتماء الدينى ويدفع باتجاه إيقافها ومحاسبة المسئولين عنها. ديوان للمظالم التمييزية يلحق بالبرلمان، ويعمل فى مسارات مكملة لتطبيق القانون ومحاسبة المتورطين فى العنف الطائفى ومتقاطعة مع مجلس العدالة والمساواة الذى أتمنى تشكيله بعين على الكفاءة والتمثيل المتوازن وليس باستدعاء للأهل والعشيرة. مجدداً، كل هذا بالقطع إن توفرت الإرادة السياسية وحضرت العقلانية لدى من يحكم اليوم لتدفعه إلى العمل المنظم بهدف القضاء على العنف الطائفى والتطرف والتمييز.