«قف على الباب خاشعاً.. حسن الظن والتجى.. فهو باب مجرب.. لقضاء الحوائج»، كلمات صوفية تستقبل زائر مسجد «السلطان أحمد أبوالعلا» بترحاب شديد، تحاول أن تخرجه من الواقع المادى المحيط به، من قسوة الظروف التى تثقل صدره، إلى عالم آخر روحانى يمتاز بالصفاء، الشىء الوحيد الحقيقى فيه هو علاقة الإنسان بربه القائمة على الحب. مشاهد الصوفية لا تقتصر على الكلمات بل تمتد إلى إحساس داخلى يتسرب إلى نفسية الزائر، الروائح الخفيفة التى تعم أنفه من جراء البخور الذى يغطى كل أنحاء المسجد، أو الأضواء التى تغشى بصره والمعلقة على مقام «السلطان أبوالعلا»، جنباً إلى جنب أنواع مختلفة من الورود علقت على قبة الضريح، التى تخفى وراءها امرأة عجوز ربطت «طرحة» صغيرة على رأسها وجلست على أحد «الكراسى» تناجى ربها بصوت خافت يتقطع ما بين دموع غزيرة لا تراها العين بل تشعر بها، وركن آخر تشاهد فيه شاباً سودانياً جلس وتربع على الأرض وأخذ يرتل أدعية لعل روحه تقترب من باب السماء.[Image_2] داخل المسجد يمثل خير شاهد على جمال العمارة الإسلامية، فالمسجد الذى تم بناؤه عام 890 هجرياً - 1486 ميلادياً فى عهد السلطان المملوكى «قايتباى»، أُقيم على طراز مدرسة ذات أربعة إيوانات متعامدة غنية بالنقوش التى تخلب الأنظار، أما المنبر الذى احتل مكاناً مميزاً فهو من الخشب النقى المطعم بالعاج ومحرابه مكسو بالرخام، وامتازت جوانبه وأبوابه بتقاسيم فريدة، وأهميته تعود إلى اسم صانعه المكتوب على الباب بما نصه: «نجارة العبد الفقير إلى الله تعالى الراجى عفو ربه الكريم (على بن طنين) بمقام سيدى حسين أبوعلى.. نفعنا الله». «حسن أبوعلى» اسم لا يعرفه البعض ولكنه الاسم الحقيقى لسيدى «أحمد أبوالعلا» صاحب المسجد الذى اصطلح الناس على تسميته فيما بينهم بسيدى أبوالعلا، نظراً للكرامات التى بالغ الصوفيون فى نسبها إليه، حتى أطلقوا عليه لقب «السلطان» وهو ليس سلطاناً ولا ملكاً، ولا حتى أميراً، ولكن بسبب صلاحه وكراماته أصبح عندهم سلطاناً للمتصوفين. يقول أيمن، خادم المسجد، الذى جلس على أحد الكراسى يرشد الزائرين لأماكن الوضوء: «راجل زاهد عبد ربنا 40 سنة متواصلة ويبقى من نسل الرسول.. أكيد يستحق يبقى له جامع باسمه ومقام». الحب الذى يكنه الحاضرون للمسجد يصفه أيمن بكلمة «ربانى»، و«ليس بهدف ولا وراءه مصلحة»، وليس كما يفعل البعض فى الأضرحة حيث يتم التوسل باسم «صاحب الضريح» إلى الله قائلاً: «مفيش واسطة بين الإنسان وربه، وأى حد بيعمل غير كده نمنعه ونفهمه إنه حرام».[Image_3] أحمد صبرى، 40 عاماً، إمام المسجد، يحكى قصة «حسن أبىالعلا» بأنه كان شيخاً متعبداً فى خلوة صغيرة بالقرب من النيل، وذات يوم طلب من أحد مريديه وهو التاجر نورالدين القنيش البرلسى، أن يجدد له زاويته وخلوته التى كان يتعبد بها، فأنشأ له نورالدين هذا المسجد، وألحق به قبة دفن فيها الشيخ أبوالعلا عندما توفى. كرامات الشيخ «أبوالعلا» ما زالت تظهر للبعض، وتجعلهم يصدقون الشائعات المنتشرة عن معجزاته حتى وإن كانت بسيطة بحسب الشيخ أحمد، فمؤخراً كانت هناك محاولتان لسرقة مال صندوق النذور الخاص بالمسجد، ولكن فى المرتين تعرض السارق للموت دون تدخل من الشرطة أو الأهالى، فقط اصطدم بأسوار المسجد فمات!