«يا رسول الله، امضِ لما أمرك الله فنحن معك، والله ما نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب فوالذى بعثك بالحق لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد». هكذا صدع المقداد بن الأسود فى غزوة بدر، بين المسلمين والكفار، بين أمة تولد، وقبائل وشيع تتهاوى تحت مطارق الحق، يوم كان الحق واحداً أبلج، لا يختلف الناس فى فهمه. كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائد الجيش، وكان الصحابة يرددون دوماً: كنا إذا حمى الوطيس احتمينا برسول الله، فكان أسبقنا للعدو. وظل القائد المسلم طوال تاريخنا يتقدم الصفوف هو وأبناؤه، ليبرهن بالدماء على أنه كرعيته سواء بسواء، وأن التفاضل هو بالتقوى والعمل الصالح، وأن العمل فى النهاية معروض بين يدى الله، ومن يسبق فبالبذل وتقدم الصفوف فى الجهاد، وكان التأخر معرة وسبة، فكانوا يتقدمون فى المغرم ويتأخرون فى المغنم، وقد تجردوا لحراسة ما يؤمنون به من قيم يدافعون عنها بأرواحهم وأموالهم، طيبة نفوسهم دون منٍّ أو أذى. وحدثنا تاريخنا القديم عن قادة جادوا بنفوسهم ونفوس أبنائهم، إذا حان النزال بين حق وباطل، وكان هذا هو ميدان التنافس الحقيقى. وعندما نطوى صفحة التاريخ القديم ونطالع واقعنا اليوم، فلا تخلو الصورة من نماذج مشرفة سجلتها بنادق المقاومة فى فلسطين ولبنان، يوم تقدم القادة وأبناؤهم مواكب الشهداء. أما مصر التى اختلط فيها الحق بالباطل، وآلت الأمور فيها لفصيل لم يدرك بعد معنى دولة حديثة، يحيا فى عزلته، يتوهم معارك بين الحق والباطل، أصحاب المشروع الإسلامى فى مواجهة المشروع العلمانى، تسوق معارك كالاتحادية والمقطم باعتبارها انتصارا للمبادئ والقيم، وليس حراسة مشروع سياسى لسلطة فقدت شرعيتها حين تسامحت مع إراقة دم المصريين، ولأن المعركة فى وعى قادة الجماعة المنكوبة بها مصر الآن ليست فى حقيقتها معركة بين حق وباطل، إنما مجرد معركة سياسية، الإسلام فيها هو سلاح التعبئة والحشد، وما حث الإسلام يوما على شىء من ذلك، يكتفى القادة بمراقبة المعارك عبر غرفة العمليات مع أبنائهم بالمقطم، ليراق دم المصريين على مذبح السلطة، التى لم ترتوِ بعد من دمائهم المحرمة. سألت أحدهم: ما حملك على الصعود للمقطم؟ قال: لأحمى رمز الجماعة، مكتب الإرشاد هذا بيتى، قلت له: مسكين! هل دخلت مرة هذا المكتب وقاعاته المكيفة؟ قال: لا. عجيب أمر هؤلاء البسطاء المخلصين من جماعة الإخوان، قد يمضى أحدهم حياته معتقدا أن من يسكنون المقطم هم أولياء الله الصالحون، الذين لا يحتاجون شيئا سوى دعاء هؤلاء البسطاء بالتوفيق، وهم فى الحقيقة ساسة انتهازيون يضنون بأرواح أبنائهم مقدمين هؤلاء البسطاء على مذبح السلطة.