آثار الطلقات النارية والخرطوشية واضحة للعيان، على أبواب المحال والجدران وواجهات المنازل التى أغلقت أبوابها وتحولت المنطقة إلى كتلة صماء فقدت حيويتها وصخبها كما هو حال المناطق التجارية وغطتها الكآبة وساد الرعب فى كل مكان. هذه ليست إحدى المناطق التى خلفتها الحروب.. أنت الآن فى شارع الجمهورية بمدينة التعاون بشبرا الخيمة.. محلات الملابس والأدوات المنزلية والمنتجات الغذائية والمقاهى متراصة، فهو شارع تجارى وحيوى بالمنطقة.. شلل أصاب المنطقة بأسرها بعد أن شهدت اشتباكات بالأسلحة النارية بين مجموعة من المسجلين خطر وتجار المخدرات. لا ينقطع حديث الأهالى عن تلك الاشتباكات، «والله العظيم ضرب النار كان زى المطر»، هكذا يقول أحد السكان.. ويرد آخر بنبرة حزينة: «العيال كانوا قاعدين على القهوة وبيرتبوا هيعملوا إيه.. بس محدش كان عارف إنهم هيعملوا كده». فى تلك الليلة، تقابل طرفا المشاجرة وهم يحملون أسلحة نارية مختلفة.. اشتعلت المعركة وزادت حدتها.. أصحاب المحال يغلقونها ويستجير كل بمكانه.. «عصام» كان داخل محل الموبيليا الخاص به وأغلق بابه حتى لا يُصاب بأذى.. تخرج طلقة طائشة تخترق الباب وتستقر فى بطن «عصام» ويلقى مصرعه فى الحال.[Image_2] عصام رياض حكيم، 37 سنة، أحد ضحايا المجزرة.. أب ل4 أطفال، أكبرهم مارتن، 13 سنة، ومفدى، 12 سنة، ورياض والصغيرة جونير، وهو أوسط 5 أبناء لأب تجاوز عمره 70 عاماً. «اصبر بس شوية»، كان هذا هو رد «عصام» على والده الذى كان برفقته بالمحل كلما طلب منه التوجه إلى منزله.. تكرر الأمر أكثر من مرة.. عقارب الساعة تشير إلى ال 8 مساءً، تدور معركة عنيفة بين تجار المخدرات.. يغلق «عصام» باب المحل ليختبئ من وطأة الرصاص.. ويصدر صرخة.. الأب المكلوم لا يدرى ما حدث.. مع نهاية المعركة، كانت نهاية «عصام» طلقة طائشة اخترقت الباب واستقرت فى بطنه. الأب رياض حكيم بقطر، يتلقى العزاء فى منزله بمنطقة بيجام.. يسأل كل المعزين: «هو عصام جه معاكم؟» ولا يلقى منهم إجابة إلا «هو فى مكان أحسن من هنا عند ربنا». الأب ذو الأصول الصعيدية، يقول: عصام كان شايلنى، هو الكل فى الكل، أولادى كانوا 5 بقيوا 4.. كان يطيعنى وهو إيدى ورجلى، سخى جداً وميعرفش يقول لا.. مرضيش يكمل تعليمه وطلع من الإعدادية عشان يساعدنى فى الشغل.. يقعد معاى يضحكنى ومش بسمع منه غير حاضر ونعم.. يشاورنى فى كل حاجة.. كان عامل عيد ميلاده فى الشهر اللى فات.. إخواته 2 موظفين هنا واتنين فى أمريكا نزلو لما سمعوا باللى حصل.. كل واحد فى شغله وهو اللى يهتم بى وبمواعيد العلاج بتاعى. يوم الحادثة كان يكلم «نسيم» أخوه اللى فى أمريكا ويقوله أنا عايزك تيجى أنت وحشتنى وأنا عايزك ضرورى.. وكلم أخوه «عاطف» وقاله تعالى اشرب معى فنجان قهوة فى المحل بس «عاطف» مرضيش عشان جاى من شغله تعبان.. يا ريته شافه قبل ما يموت.. يا حبة عينى كان بيوحش إخواته ومتلهف عليهم.. قبل ما يموت ب 5 دقايق كان بيقول لجارنا «عماد» إنه عايز ينقل أولاده من المدرسة اللى هما فيها لواحدة تانى أحسن منها. إحنا كنا قاعدين فى المحل.. وكل شوية أقوله يا ولدى روح بيتك هات بنتك من هناك تقعد معانا شوية.. وهو يرد على يقولى طيب حاضر كمان شوية.. كل مرة نفس الرد منه.. بعد العشا كده العيال البلطجية دول اتجمعوا فى مكان قريب من المحل.. أنا معرفهمش ولا حتى هو يعرفهم وملناش أى علاقة بيهم.. ضرب النار اشتغل.. «عصام» دخل 3 كانوا ماشيين بالصدفة فى الشارع عشان يحميهم من ضرب النار وقفل علينا باب المحل.. بعدها بشوية ولدى صرخ.. أنا مش عارف هو صرخ ليه.. وبعدين وقع على الأرض. الرصاصة عدت من الباب وجات فيه.. وقع قدام عينى.. يعنى أنا ربيته وكبرته ودفنته.. يا ريت الطلقة جاتنى وسلامته هو من الموت.. رحنا المستشفى بسرعة بس ملحقناش نعمل حاجة.. شوفته نايم زى الملاك.. أنا عايز أروحله بسرعة لو حتى أنتحر.. وحشنى ولدى.. والمصيبة كبيرة وتقيلة.. جنازته كانت كبيرة قوى.. حتى الأعمى والمشلول عزونى فيه.. كل الكلام اللى يصبر ملهوش لازمة وأنا عارفه وحافظه.. الفراق صعب.. إحنا عايزين حقنا من اللى عملوا كده بسرعة وبالقانون.. ليه يضربوا نار على المحل ما لهم بينا.. اللى عملوا كده معندهمش رحمة.. اللى عملوا كده الله يسامحهم. بجوار الرجل العجوز جلس «مارتن»، ابن المجنى عليه، وقال: «بابا كان أخوى وصاحبى.. وكل أملى فى الدنيا وماليش غيره.. كان يجيبلى كل اللى نفسى فيه وحنين.. ويقولى عايزك تشد حيلك وتبقى حاجة كبيرة وتاخد دكتوراه من أمريكا.. بشوفه وهو حنين على جدو وبفرح بيه أوى.. بابا ملهوش دعوة بالمشكلة دى ولا يعرف حد منهم.. مفيش مرة زعلنى أنا وإخواتى الشهر اللى فات احتفلنا معاه بعيد ميلاده.. مكناش عارفين إنه دى آخر مرة نحتفل.. خلاص الدنيا اسودت فى وشى.. بس لازم أنا أشد حيلى عشان أخد بالى من إخواتى الصغيرين.