كتبت الأسبوع الماضى حول المجلس الأعلى للقضاء وجريمة «الصمت» التى أدت إلى ما نحن فيه.. وكنت أعتقد أن صمت أعضاء المجلس سيواجَه بصمت من السلطة الحاكمة، لكن غرور الإخوان لم يعد له «سقف»، ويبدو أنهم اعتبروا صمت شيوخ القضاة نوعاً من «العجز» أو «الطموح»، وليس كما وصفته فى مقال الأسبوع الماضى بأنه «من أجل الهدوء وعدم إشعال الموقف»، فيخرج مرشدهم السابق مهدى عاكف يصف القضاء ب«المريض والمسيّس» بل والفاسد، بل إنه صرح بأن هناك خطة لعزل 3500 قاض.. والأغرب أن رئيسهم «مرسى» أصدر بياناً من «الاتحادية» يؤكد فيه أن النائب العام «الخاص بمرسى» باقٍ، ويبدو أن ذلك رد على شجاعة المستشار عبدالرحمن بهلول عضو المجلس الأعلى للقضاء ورئيس محكمة استئناف طنطا لبرنامج «الحياة اليوم» بأن حكم إقالة النائب العام واجب التنفيذ. كنا نفتخر بعد الثورة بأن «القضاء» و«الجيش» هما المؤسستان الوحيدتان المتماسكتان فى مصر، وبالتالى كان الأمل كبيراً فى إعادة بناء باقى المؤسسات، حتى جاء نظام د. محمد مرسى ليوجّه طعنات عديدة لقضاء مصر الشامخ فى ظل صمت مجلس القضاء الأعلى الذى يبدو أن رئيس الجمهورية قد «قدّر حجمهم» خلال اللقاءات التى استدعاهم فيها إلى الاتحادية، وصدرت بيانات بكلام منسوب إليهم يدعم موقف الرئاسة لم يتفوهوا به، لكنهم لم «ينفوا» وفضلوا «الصمت» كالعادة، كما فعلوا أمام شكوى المستشار مصطفى خاطر، وكثير من المواقف، حتى إنهم حينما تحركوا مرة واحدة وناشدوا النائب العام تقديم استقالته لم يفعل الرجل.. فظلوا أيضاً صامتين. سيذكر التاريخ أن المستشار أحمد الزند ونادى القضاة دافعوا عن استقلال القضاء، بل خلقوا جيلاً جديداً من شباب القضاة يملك قدرة الدفاع عن استقلالهم دون أن يسيئوا إلى أحد.. وقد تعرض «الزند» مقابل ذلك لحملات من «التشويه».. و«التشهير» يعلمها أعضاء مجلس القضاء الأعلى لكنهم لم يتحركوا للدفاع عن مهنتهم. قد يكون بسبب اعتقادهم بأن الرئيس أخطأ فى تعيين النائب العام لكنه كان «حسن النية» كما يزعم وزير العدل، لكن جاء حكم الاستئناف ببطلان القرار ليكشف أن «مرسى» لم يكن «حسن النية» بدليل أنه وقف ضد تنفيذ الحكم وتمسك ب«نائبه» وطعن على الحكم.. وكأن الرجل يثق بأن مجلس القضاء سيظل صامتاً ولن يفعل شيئاً بعد أن تخاذل عن أداء دوره المنوط به خلال الفترة الماضية. مرة أخرى، السادة أعضاء مجلس القضاء الأعلى المستشارون الأجلاء ممتاز متولى وأحمد عبدالرحمن وحامد عبدالله وسمير أبوالمعاطى وعبدالرحمن بهلول وبشرى فيليب مطر، لم يبق لكم فى مناصبكم سوى أشهر قليلة، فافعلوا شيئاً يسجله لكم التاريخ ويتذكره شباب القضاة من أجل الدفاع عن العدل والحق واستقلال القضاء.. مارسوا دوركم وأصدروا حكمكم ولا تتخاذلوا، فكيف يستطيع شباب القضاة أن يصدروا أحكاماً على غير هوى «السلطان» وهم يرون شيوخهم عاجزين عن ذلك؟ لقد عاد بعضكم من أداء العمرة ولا أعرف ماذا دعوا أمام الكعبة أو أمام قبر الرسول.. هل قالوا «ربنا أنقذ مصر» كما يفعل الغلابة من أبنائها الذين لا يملكون أية سلطة، وهل نسوا أثناء دعائهم قول الله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»؟ صدق الله العظيم.