نشر موقع «ذى دايلى كرنت»، المتخصص بالأخبار الفكاهية المفبركة، خبراً مفاده أن «الحكومة المصرية أصدرت مذكرة اعتقال بحق الكوميدى الأمريكى جون ستيوارت، بتهمة تعرضه للرئيس مرسى وإهانة المصريين». إنه خبر مفبرك بالطبع يهدف إلى السخرية من محاكمات الرأى التى تحدث فى مصر الآن وتستهدف عشرات الصحفيين والإعلاميين بتهم من نوع «إهانة الرئيس» و«ازدراء الأديان» وغيرهما. يشير نشر مثل هذا الخبر المفبرك فى وسائل إعلام عدة إلى اتساع نطاق الرفض والانتقاد والسخرية من ممارسات النظام المصرى ومؤيديه ضد حرية الرأى والتعبير، ويكشف عن فجوة كبيرة فى تصور جماعة «الإخوان المسلمين»، وأذرعها فى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، لبيئة العمل السياسى، وطبيعة المجال الإعلامى، وموقع حرية الرأى والتعبير فى سلم القيم لدى دول العالم الحر. أتت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الحكم بعد عقود ثمانية من الكفاح والدأب والصبر على الاضطهاد والإقصاء والعمل السرى تحت القصف والملاحقة، لكنها مع ذلك لا تمتلك الخبرة اللازمة للتعامل مع الشأن السياسى وفهم محددات العلاقات الدولية، كما أنها لا تمتلك الكفاءات البشرية الكافية لتولى المناصب المهمة أو إدارة الملفات الحيوية. ترتكب جماعة «الإخوان المسلمين» أخطاء كارثية، بدءاً من الرئيس نفسه، الذى يعد المصدر الأول لمحتوى برنامج باسم يوسف، من خلال أدائه المتخبط والمتراجع والفاقد للقدر المناسب من الضبط والملاءمة. يتهم أنصار «الجماعة» باسم يوسف بازدراء الأديان، متناسين أن الرئيس مرسى نفسه سبق وأن سجل على نفسه ازدراءه للأديان، من خلال مقطع الفيديو الذى كشف قوله، فى وقت سابق على ترشحه للرئاسة: «ارضعوا أبناءكم كراهية اليهود»، بعدما وصفهم ب«أحفاد القردة والخنازير». إنه نموذج مثالى لازدراء الأديان، يقدم لنا سياسياً يحرض على الكراهية لأتباع دين معين، ويصفهم بأنهم «حيوانات». تعتقد «الجماعة» وأنصارها إذن أن ازدراء الأديان مسألة تتعلق فقط بالإسلام السنى، أو الإسلام كما يفهمه السلفيون و«الإخوان»، ولذلك فإن بعض القنوات الفضائية ذات الإسناد الدينى الإسلامى، وبعض خطباء المساجد وعلماء الدين، بل وبعض المشرعين يزدرون الأديان والمذاهب الأخرى ويشنون الهجمات عليها ويصفونها بأوصاف متدنية، ويستهدفون أتباعها دون أن ينزعج أحد. تعتقد جماعة «الإخوان» أن هناك استحقاقاً رئاسياً مضموناً اسمه «هيبة الرئيس»، وأن تلك «الهيبة» أحد مستلزمات الرئاسة التى يجب أن يتسلمها أى رئيس بمجرد جلوسه على المقعد الرئاسى، ولذلك فهى تعتقد أننا يجب أن نبجل الرئيس ونحترمه، مهما صدر عنه من أفعال أو أقوال، ومهما كان أداؤه متخبطاً ومخيباً للآمال. والواقع أن الرئيس هو أول من أساء إلى هيبة المنصب الرئاسى، وإذا جاز للمصريين البسطاء أن يرفعوا قضية على شخص ما لأنه أضر بمقام الرئاسة فسيكون هذا الشخص هو الرئيس نفسه، الذى ارتكب سلسلة من الأخطاء غير المسبوقة فى فترة زمنية قصيرة للغاية، حفلت بأنماط الأداء المتخبط والقرارات المتضاربة والسلوكيات التى تصنع المشكلات وتفجر الأزمات. تعتقد جماعة «الإخوان» أن المشكلة فى مصر الآن هى الإعلام، وأن إسكات الإعلام وقمعه سيحسن صورتها وصورة مندوبيها فى سلطات الدولة ومفاصلها الرئيسة، والواقع أن «الجماعة» مخطئة؛ فالإعلام لديه مشكلة، لكنه ليس المشكلة. الإعلام لديه مشكلة مثله فى ذلك مثل بقية مجالات العمل فى مصر، وثمة رؤية متبلورة ومشروع متكامل لإصلاح المجال الإعلامى، وهو مشروع معروف ومعلن ومتكامل الأركان، لكن النظام الحاكم لا يريد تطبيقه أو تطويره، بل يريد فقط قمع الإعلام وإسكاته والسيطرة عليه. تعتقد «الجماعة» أنه يمكن إرهاق الإعلاميين والصحفيين وتشتيتهم عبر استخدام الملاحقات القانونية لهم، مستفيدة فى ذلك من حرص النائب العام، المطعون فى شرعيته، على ملاحقة الإعلاميين والصحفيين بمجرد تلقيه أى بلاغ فى حقهم، وهو الأمر الذى حرض عليه وزير الإعلام نفسه، حين حض على «اللجوء إلى القضاء» لاستهداف الممارسات الإعلامية. والواقع أن أى نظام إعلامى رشيد فى مجتمع حر، أو ينشد الحرية، لا يمكن أن يحض على استهداف «أخطاء الإعلام» عبر اللجوء المتكرر إلى القضاء، ولكنه يوفر إطار الضبط الذاتى الملائم، الذى يضمن إخضاع الأداء المثير للجدل للتقييم ثم التقويم، من دون إرهاق المؤسسة القضائية فى موضوع فنى متخصص يتعلق بحرية الرأى والتعبير. تكشف الأزمة الراهنة بين جماعة «الإخوان» والإعلام والإعلاميين فى مصر عن فجوة كبيرة بين الواقع وتصورات «الجماعة»، وهى الفجوة التى سندفع جميعاً ثمنها غالياً.