عقارب الساعة تشير إلى الرابعة عصراً، يتمدد أحمد شعبان الشيشينى على سرير بالمدينة الجامعية وبدا عليه التعب، يخلد الطالب بالفرقة الخامسة بكلية الصيدلة جامعة الأزهر إلى نومه فيستيقظ على ألم شديد بأمعائه وحالة حادة من الغثيان، يستنجد أحمد بأحد زملائه الثلاثة الذين يستقرون معه فى نفس الغرفة، يهرع عمرو عطا الله إلى زميله ويحمله مع أصدقائه إلى الطبيب بالعيادة المركزية بالمدينة الجامعية التى تقع أسفل أحد مبانى المدينة، يدخل أحمد إلى الطبيب محمولا على أيادى زملائه، فيقول له الطبيب: «أنت الحالة العاشرة اللى تيجى، هو فيه إيه؟ أنا هكشف عليك بس مش هعطيك علاج، وهبلغ مدير المدينة بظهور حالات تسمم كثيرة». يسرع زملاء الطالب العشرينى إلى أقرب صيدلية خارج المدينة الجامعية، ليحضروا له العلاج من أقرب صيدلية، يدخل المريض فى حالة قىء مستمرة، وتهدأ حالته، بعد أن يلتقط العلاج. حالة من الرعب انتشرت كالنار فى الهشيم داخل المدينة الجامعية لجامعة الأزهر بمدينة نصر، بعد أن ظهرت أعراض التسمم الغذائى على المئات من قاطنى المدينة المغتربين، بعد أن تناولوا وجبة غداء يرجح أغلب الطلاب الذين أصيبوا بأنها هى سبب التسمم. يروى معتز رمضان، طالب بكلية الصيدلة يقطن بمبنى عبيدة، أنه توجه مع زملائه المصابين كعادته إلى مطعم المدينة المركزى حتى يتناول وجبة الغداء، التى كانت عبارة عن «ربع فرخة وأرز ولوبيا» تناول الطلاب الطعام وتفرقوا متجهين إلى غرفهم بالمدينة، وفى تمام الساعة السابعة مساء، حدث هرج ومرج داخل المدينة، ورأينا عشرات الطلاب يتوجهون إلى العيادة المركزية للمدينة الجامعية المقامة أسفل مبنى عبيدة، وتزايدت هذه الأعداد المقدرة بالعشرات لترتفع وتصل إلى المئات. يضيف «معتز» أن الأطباء بالعيادة أبلغوا سيارات الإسعاف بمختلف المستشفيات لتنقل الطلاب من المدينة إلى المستشفى. بعد أن شعر الطلاب بأن هناك شيئا أشبه بالوباء تظهر أعراضه على زملائهم، تجمع المئات من الطلاب وقاموا بقطع الطريق المواجه للمدينة الجامعية، وحملوا لافتات مكتوبا عليها «ارحل»، مطالبين الرئيس محمد مرسى ب«التنحى»، منددين بسوء الأوضاع داخل مدينتهم. كما طالبوا بإقالة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر. وتجمع العشرات من الطلاب أمام قسم ثانى العريش محاولين تحرير محضر بالواقعة. سيارات الإسعاف بدأت فى التوافد على المدينة الجامعية، أصواتها تقطع حالة الهدوء التى يعيشها الحى الهادئ بمدينة نصر، تخترق سيارات الإسعاف بوابة المدينة، وتدخل إلى العيادة المركزية، فيخرج العشرات تباعاً وهم يعلقون بأياديهم محاليل طبية، البعض يمشى مسنوداً من زملائه والبعض الآخر يخرج محمولا إلى سيارات الإسعاف، السيارة الواحدة كانت تنقل حالتين وثلاثا وأربعا.[Image_2] «الوطن» استقلت إحدى سيارات الإسعاف لتنتقل إلى أحد المستشفيات التى كانت تنقل لها الحالات المرضية، تتحرك السيارة وبها ثلاث حالات، أحدهم يقوم بمسك بطنه وينهمك فى عملية قىء مستمر والثانى ممدد على حمالة الإسعاف فاقد الوعى يحاول المسعف إنقاذه وإفاقته، والثالث طالب يمسك ببطنه ويتأوه من الألم. يدخل المسعف فى نقاش حاد مع أحد المصابين لأنه لا يريد التوجه إلى مستشفى حميات العباسية، لأنه ذهب إليها ولم يجد رعاية كافية بداخلها ونصحه الأطباء بالتوجه إلى مستشفى الدمرداش بقسم السموم، يحتدم النقاش، ويقرر المسعف توجيه سائق سيارة الإسعاف إلى مستشفى الدمرداش. أمام المستشفى كان المشهد مختلفا: تجمهر طلابى، وعشرات الحالات تقف أمام البوابة الرئيسية للمبنى، الأمن يمنع دخول الطلاب للاطمئنان على حالة زملائهم، «الوطن» استطاعت أن تخترق البوابة الحديدية لترصد من داخل المستشفى حالة الطلاب الحرجة. العشرات من الطلاب فى حالة إغماء على أسرّة الاستقبال بمستشفى الدمرداش، الأطباء يعطون المرضى أدوية تساعدهم على القىء لتمنع بقاء السموم داخل أجسادهم. وصرح الدكتور ممدوح الكفراوى، عميد كلية طب عين شمس، ل«الوطن»، بأن الحالات التى استقبلها المستشفى كلها مصابة بأعراض التسمم الغذائى، وأن سبب التسمم الحقيقى لن يظهر إلا بعد 24 ساعة من سحب وزارة الصحة عينة من الطلاب المصابين لتحليلها بالمعامل المركزية التابعة لها. وأضاف «الكفراوى» أن مستشفى الدمرداش استقبل ما يقرب من 240 حالة، حتى الساعة الثانية صباحا. وأضاف: من المحتمل أن يكون سبب الأزمة انقطاع التيار الكهربى المتكرر الذى أدى إلى تلف وجبة «الفراخ» التى تناولها الطلاب. أيّد حاتم مصطفى، طالب بكلية التربية بالفرقة الرابعة أحد المصابين الذين تماثلوا للشفاء، أن يكون السبب انقطاع التيار الكهربائى، خاصة أن الكهرباء انقطعت لفترات طويلة داخل المدينة خلال اليومين الماضيين. على باب قسم السموم بمستشفى الدمرداش، وقف الدكتور محمد مرعى، مدير مستشفى الزهراء العام، يحمل أدوية لعلاج حالات التسمم، جزء أحضره على نفقته الخاصة وجزء جلبه من المستشفى الذى يديره، وقام الطبيب بتوزيعها على الطلاب بعد أن علم أن هناك أزمة فى العلاج داخل مستشفى الدمرداش، وقال الدكتور «مرعى»: مستشفى الزهراء استقبل حوالى 20 حالة وتم حجز 11 حالة منهم والبقية خرجت متعافية.[Image_3] توافد على المستشفى العشرات من الأهالى وبعض الناشطين السياسيين، منهم الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، وصرح ل«الوطن» قائلا: «دى مهزلة، وصورة من الإهمال التى تطول كل مؤسسات الدولة، منذ فترة طويلة ويشكو الطلاب من سوء الأغذية بالمدينة، ولم يسمع لهم أحد، لا بد من تقديم كل المسئولين عن الواقعة إلى النائب العام للتحقيق معهم، ونحن من خلال حزب النور سنقوم بالضغط على الحكومة لتقديم المسئول للمحاكمة». الطلاب خارج بوابة قسم السموم بمستشفى الدمرداش طالبوا إدارة المستشفى بتحرير تقارير طبية بحالة الطلاب الحرجة لإثبات الحالة، إلا أنه لم يهتم أحد منهم، مما تسبب فى غضب العشرات منهم، وحاولوا دخول المستشفى، إلا أنه تم منعهم. مستشفيات أخرى تلقت مصابين، منها: مستشفى الزهراء العام ومستشفى جراحات اليوم الواحد ومستشفى النيل للتأمين الصحى ومستشفى العباسية العام.