شارع واحد جمع طرفيه «الإخوان وروافدهم»، حزب الحرية والعدالة الذى دان له شارع بورسعيد بالسيدة زينب بطرفيه الشمالى والجنوبى، فاستوطن الأول مقر الحزب فى السيدة زينب، واحتل الآخر مقر الحزب فى الدرب الأحمر، ولم يتبقَ لأهل الشارع سوى صور عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى وأحمد شفيق معلّقة على الجدران الخاوية منهم لتثبت أن فى هذا الحى من لا يقبل الإخوان ولا يريدهم. ملمح واحد يجمع مقرى «الحرية والعدالة» فى شارع بورسعيد، فكلاهما «مجهول» بلا لافتة أو هوية لا يعلم زائر المنطقة أن هنا يقطن «مقر حزب الحرية والعدالة»، لولا بعض الأهالى الذين سرعان ما يدلونه إذا سألهم «فى العمارة دى.. عاوز منهم إيه؟.. أصله مش بتيجى من وراهم حاجة عدلة». حزب الحرية والعدالة فى الدرب الأحمر كانت «الدواعى الأمنية» هى السبب فى إنزال لافتة الحزب من على واجهة المقر، وكانت السيدة «زينب محمد» هى السبب الآخر فى إنزال صورة الرئيس محمد مرسى من واجهة العمارة. «زينب محمد»، الصدفة هى التى جعلتها جارة «الهنا» للحزب الحاكم، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة لهم، فلم يكونوا سوى جيران «السوّ» تقول: «ماكانوش يعرفوا أن العمارة اللى فيها مقرهم فى الدور الأول هتكون فى الدور التانى أخت رفعت السعيد»، تضحك ساخرة منهم «لأ وجايين لى أنا وعايزينى أعلق صورة مرسى على بلكونتى!». الحاجة «زينب» التى لا تفتح بابها للغرباء وتكتفى «بنُص فتحة» بعد التأكد من شخصية الزائر تتذكر تلك الليلة التى تجرّأ فيها شباب الحزب للصعود إليها فى العاشرة مساءً، «قالولى عايزين ندخل نشد بانر كبير للريس على البلكونة». سألتهم: ريس مين؟ قالولى الريس مرسى يا حاجة؟ سألتهم: وعايز تشده على بلكونتى أنا وفى نص الليل؟ فرد أحدهم: الساعة لسه 10، يعنى لسه بدرى. رديت وانا باقفل الباب فى وشهم: روح يا ابنى أنا عايزة أنام وما باعلقش صور على البلكونة. وأغلقت بابها متعجبة من جرأتهم، ولم يزل تعجبها، فمع الصباح وجدت البانر معلقاً على العمارة «جابوه لنفسهم اللى رايح واللى جاى بقى يشد فيه لحد ما اتقطع لوحده». الجارة الثانية لحزب «الحرية والعدالة» لا تراهم فى الأغلب، فسنها لم تعد تسمح لها بالنزول من منزلها كثيراً، ولكنها تلتزم بأوامر النبى الكريم «وصّانا على سابع جار» بس أنا باكتفى بالسلام لما يكون الباب مفتوح، ولما بيبقى فيه مليونيات يوم الجمعة باحط إيدى على قلبى، سواء كانت للتأييد أو المعارضة»، مليونيات المعارضة تبدأ غالباً من أمام المسجد الزينبى، ولأن الحزب فى طريقها، فسكان العمارة «بينوبهم من الحب جانب» كما تصف الحاجة زينب التى لا تنام فى ليلة مليونيات التأييد «بيقفوا تحت البلكونة وصوتهم بيجيب السما فى أناشيدهم وهتافاتهم، ولا كأنهم واقفين تحت بلكونة البرادعى». «الناس اللى فوق الحزب»، حيث يقطن الجار الأقرب إلى الجماعة «ليس قلباً، وإنما قالباً» فالمدرس التربوى «محمود السيد عبدالله» يعتبر نفسه أقرب الجيران للإخوان فى العمارة «هو أنا ما باحبش الإخوان بس باتعامل معاهم بمبدأ الجيرة وهمّا فاكرين إنى باحبهم وأدعمهم، وكانوا عايزينى أنتخب مرسى مايعرفوش إنى انتخبت شفيق» الأب لخمسة أبناء يؤكد أن «العلاقة فى العمارة» متوترة بين الإخوان والجيران «الناس مش حبّاهم، وهما ناشفين أوى فى التعامل وفاكرين أن الدين غِلظة»، العمارة «المنكوبة» كما وصفتها الحاجة «زينب»، يؤكد «الأستاذ محمود» أن سكان العمارة مستاءون جداً من وجود الإخوان بينهم لكن «ما باليد حيلة، صاحب العمارة إخوانى ومديهم شقتين، واحدة للحرية والعدالة والتانية لأنصار السنة عاملينها جمعية»، أمر واحد ساء «الأستاذ محمود» حين طلب من الحزب أن يشاركوا فى «ترميم مدخل العمارة»، فكان الرد «واحنا مالنا، إحنا ممكن نسيبها ونمشى فى أى وقت» لا يعلم مدرس اللغة العربية لماذا جال فى خاطره وقتها ذلك التشبيه البلاغى بأن مصر هى العمارة وأنهم «هيسيبوها ويمشوا فى أى وقت»، كما قالوا «عرفت ساعتها همّا ليه مش هاممهم خرابها». «عمارة الطاهرة» فى السيدة زينب، اسم البرج الشهير يكفى كإشارة لعنوان المقر، حتى لو كان دون اللافتة، يستطيع الزائر الوصول بسهولة إليه، المدخل الرخامى والأسانسير المزدوج والشقة الفارهة المؤجّرة بنظام الإيجار الجديد التى أزيلت لافتاتها من مدخل العمارة بناءً على أوامر ضباط الشرطة ل«الدواعى الأمنية» نفسها التى أزيلت بسببها لافتة مقر «الدرب الأحمر» سكان العمارة أغلبهم من الأطباء ومعمل تحليل وسكان قليلون «العمارة اتحاد ملاك واللى مش ساكن فيها مأجر إيجار جديد، ومنها مقر الحزب متأجر من ساكن فى العمارة له شقتان، أجّر لهم واحدة بس ماكانش عارف إنهم إخوان» يقولها بواب العمارة هنداوى الصعيدى «هما كويسين وبيدفعوا اللى عليهم، بس أنا ما بانتخبهمش» مرة فى الشهر يصعد «هنداوى» للشقة لتحصيل الإيجار وفلوس الصيانة والمياه والنور «مرة بيقولولى هى الكهربا بقت عالية أوى كده ليه، ضحكت وقلتلهم بتسألوا الغلبان اللى زيى، ما تسألوا الحكومة بتاعتكم، ومن ساعتها بيدفعوا من سكات». «أم شادى» هى زوجة «هنداوى» التى لم تقبل إملاءات جيرانها بأن تنتخب «الميزان»، فأبت إلا أن تقاطع «مش بمزاجى بس ماينفعش نسيب العمارة أنا وأبوشادى ونسافر عشان الانتخابات، لكن هو برضه إدى شفيق وما إداش مرسى». الحاج مسعد، سباك المعادن ومستأجر شقة فى الدور السادس «فوق الحزب»، يؤكد «همّا فى حالهم ماحدش بيسمع حسهم، والناس هنا كمان كلهم فى حالهم»، الحاج مسعد لا يراهم كثيراً فالأسانسير يمنعه من المرور على دورهم الخامس، «لما كنت باشوف حد منهم قبل الانتخابات كنت باهزر معاه واقوله إوعى تنتخب مرسى، ده هيودينا فى داهية.. شفيق حلو». وسط إنجازات أعضاء نواب مجلس الشعب السابقين «عن الحزب الوطنى» تظهر اللافتة على استحياء فى إحدى حوارى منشية ناصر الضيقة «مقر حزب الحرية والعدالة» تحمل شعار الحزب، وذلك اللون السماوى الذى يميزها عن اللون الأصفر «الباهت» للمساكن الشعبية فى المنشية الذى لا يختلف كثيراً عن لون وجوه قاطنى ذلك الحى «المنكوب» بالمشكلات، فهو «جمهورية لوحده» كما يقول الأسطى أحمد الميكانيكى الجار الأول لحزب الحرية والعدالة فى شارع المساكن «المنشية عايزة فرع للرئاسة يحل مشاكلها، مش مقر لحزب الحرية والعدالة»، ترد أخته «نورا» مدرسة محو الأمية «وهى الرئاسة إيه والإخوان إيه، ما هى الفولة م العجينة، ولا حد هيعمل حاجة». «جيرة الحزب الحاكم» ميزة لا يراها سكان «بلوك» المنشية، فلا الشارع تمت «سفلتته» ولا سوق الخضار أسعارها «تفرق فى حاجة» و«عمودين النور اللى رئيس الحى الإخوانى عملهم عملولهم علشانهم 10 يفط شكر» يؤمّن «الأسطى أحمد» بالحكمة القائلة «اصبر على جار السوّ، يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخده»، فى انتظار المصيبة قرر «أحمد» ألا يُلقى السلام حتى على جيرانه الإخوان «معاهم عقد من المحافظة بعشر سنين، يعنى هيفضلوا فى آرابيزنا عشر سنين أو تقوم ثورة بجد ويروحوا فى ستين داهية». الأخت الكبرى «نورا» الأم لولدين تخرجا فى الجامعة وبلا عمل للآن، رفضت أن تقدم لابنها فى إحدى وظائفهم «علقوا مرة يافطة على المقر أن فيه وظائف بمرتبات ألف جنيه، بس أبوهم رفض أودى ورق العيال مانضمنش ممكن يملوا دماغهم بإيه». تستغرب «نورا» لعدد الإخوان الكبير فى منشية ناصر، فلم تتوقع أنهم بهذا الحجم «أتاريهم متوغلين فى كل بيت واحنا ماكناش عارفين، ومع كده برضو اللى بيكرهوهم أكتر». عمل «نورا» فى محو الأمية جعلها تعرف الكثير من المآسى فى منشية ناصر «فى يوم قبل الثورة عديت قصاد بيت العادلى، قلت اللى عايش فى المكان ده عمره ما هيحس ببتوع المنشية، دلوقتى برضو باقول نفس الكلام، اللى عايشين فى التجمع ومدينة نصر فاكرين إننا عايزين بس الزيت والسكر»، كلام «نورا» لا يختلف كثيراً عن أخيها «أحمد» الذى يرى فى جيرانه نسخة مصغّرة من غرور خيرت الشاطر واستعلاء المرشد و«غشومية» مرسى، حسب وصفه «تلاقى الواحد فيهم فاكر نفسه هيفتح عكا ويتكلم مع الناس بألاطة، تقولشى الحاكم بأمره». أخبار متعلقة: جيران «الإخوان».. الحياة تحت «التهديد» «6 أكتوبر».. شرطة للحراسة.. وحديد لمنع المولوتوف أهالى المقطم.. يجمعون التوقيعات لطرد «الجماعة بمقرها» من المنطقة شبرا الخيمة.. «مؤدبين ومحدش بيسمع لهم صوت» المطرية والزيتون: «ناس بتوع سلطة مش بتوع ربنا» العمرانية.. «ممنوع الدخول لغير السكان وأعضاء الحزب» الشيخ زايد.. المقر داخل «سنتر».. والجيران: «مصلحة»