أن تكون مواطنا فلك حرية اختيار النزول إلى الميدان من عدمه، لك أن تشارك فى الأحداث أو تقاطعها، لكن الاختيار رفاهية لا يملكها أطباء مصر، الذين يجدون أنفسهم فى حالة طوارئ دائمة خلال الأحداث التى لا يختارون مكانها أو زمانها، وما بين ماسبيرو والتحرير والعباسية، يجد الأطباء أنفسهم يعملون فى ظروف صعبة، لا يذوقون خلالها النوم، ولا يعرفون فيها معنى الأمان. تندلع الأحداث فجأة، ولا يملك معها الأطباء سوى الاستجابة السريعة والنزول فورا، ومع تكرار الأحداث تعلموا الدرس، وأصبحوا يسبقون بخطوة عبر عدد من المبادرات على صفحاتهم فى مواقع التواصل الاجتماعى الفيسبوك وتويتر. واحدة من أشهر صفحاتهم «أطباء التحرير» التى بدأت تحذيراتها لحشد الأطباء منذ يوم الأحد الماضى، قالوا فى الرسالة الأولى: أطباء التحرير الآن عند المنصة بمحيط وزارة الدفاع، الإصابات محدودة حتى الآن لكن يجب التجهز للنزول عند الطلب فى أى وقت. ثم عادوا ليكرروا: لا يوجد احتياج لمستلزمات طبية أو أطباء الآن، لكن نكرر ضرورة التجهز الكامل والاستعداد لنزول الأطباء فى أى لحظة. توجد نقطة ميدانية واحدة لأطباء التحرير، مع تصاعد الاشتباكات يوم الاثنين بدأت النداءات تتوالى لأطباء العظام، بالذهاب إلى موقع الأحداث. البرلمان فى إجازة، والحكومة لا حس ولا خبر، ومرفق الإسعاف خائف، لا أحد يتجرأ على الاقتراب من العباسية سوى المتظاهرين والأطباء، الذين سبقوا الحكومة فى إعلان تقرير عن الأوضاع على الأرض فأعلنوا أنهم تعاملوا منذ فجر الأربعاء 2 مايو وحتى الثامنة صباحا مع ستة أشخاص خمسة منهم بطلق نارى وواحد بذبح فى الرقبة، أكثر من مائة مصاب بإصابات مختلفة، وخطيرة، تطلبت نقلها إلى المستشفيات. الأطباء المتطوعون ليس لهم وجود مستقل داخل الاعتصام كنقطة أو مستشفى ميدانى، ولكنهم أطباؤنا يقومون بواجبهم مع الأطباء الآخرين الموجودين هناك، لم يكتفوا برصد أوضاع الميدان، وإنما قيموا حالة المستشفيات المحيطة، وقالوا: ما زالت إما مغلقة أمام المصابين وإما تم الاعتداء على المصابين والمسعفين الذين ينقلونهم إليها، ووردت تقاير شبه مؤكدة بقيام البلطجية المسيطرين على هذه المستشفيات ومنها الدمرداش ودار الشفاء بانتهاك حرمتها والاعتداء على جميع المصابين وسقوط قتلى من بينهم على يد هذه العصابات المسلحة. طوال الليلة الدامية ظل الأطباء يستصرخون المسئولين فى البلاد توفير عربات الإسعاف بالعدد الكافى ونقل المصابين إلى مستشفيات آمنة لخطورة الحالات، وأن يتم تأمين المستشفيات التى سيطر عليها البلطجية المسلحون، كما وجهوا دعوة عاجلة إلى مسيرة من جميع أطباء وصيادلة ومسعفى ومواطنى مصر، والمهتمين بالشأن الإنسانى، للمشاركة فى حقن دماء المصريين ضمن المسيرة التى دعت إليها القوى الوطنية، واستصرخوا كل طبيب ومتطوع مصرى أن يهب لإنقاذ من يمكنه إنقاذه من إخوته المصريين والمصريات المصابين الآن، كما طالبوا العاملين بمرفق الإسعاف الاستبسال فى إنقاذ المصابين وعدم تركهم أو ترك المنطقة تحت أى مبرر. محاولات التغلب على نقص الإمكانات دفعت بعض الأطباء إلى إتاحة أرقام هواتفهم المحمولة على شبكات التواصل الاجتماعى لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، الدكتور عمرو البكرى، أستاذ الرمد بالقصر العينى، أعلن تبرعه بإجراء الجراحات العاجلة مجانا، للحالات الخطيرة التى تتطلب تدخلا جراحيا.