موجات من الكر والفر شهدها محيط الاشتباكات بالقرب من مقر مكتب الإرشاد بالمقطم، لليوم الثانى على التوالى؛ قنابل غاز مسيل للدموع وطلقات خرطوش، وحيل قامت بها قوات الأمن من آن لآخر للالتفاف حول المتظاهرين واعتقال بعضهم فى لحظات إطفاء أضواء أعمدة الإنارة. الساعة التاسعة والنصف؛ الغاز المسيل للدموع صنع سحابة ضبابية بين المتظاهرين وقوات الأمن، عبر السحابة الغازية ظهر ضوء «كشافات» مدرعة الأمن، حيث زمجر محركها ودوت صفارة إنذارها؛ انطلقت مدرعتا أمن، الأولى اخترقت سحابة الغاز المسيل للدموع، وانحرفت الأخرى إلى شارع جانبى؛ لتقوم بحيل الالتفاف حول المتظاهرين لمباغتتهم من جانبين فى وقت واحد. دوى طلقات الخرطوش الذى بدأ مع هجوم المدرعتين، دفع بسيارات الإسعاف إلى التحرك لإنقاذ المصابين بطلقات خرطوش؛ وكان أغلبها فى الأرجل، وبعضها فى الوجه والظهر؛ ومع هجوم قوات الأمن سقط عدد من الشباب المتظاهر، فألقى جنود الأمن القبض عليهم واعتقالهم، الأمر الذى زاد من إصرار الموجودين رغبة فى المداومة رغم قلة أعداد المتظاهرين التى لا تقدر إلا بمئات قليلة. محمود نبيل، 23 سنة، كان فى محيط الاشتباكات منذ السابعة من مساء الأحد؛ ويروى: «مع وصولى عند مقر الإخوان كانت الشرطة بدأت تضرب الخرطوش، وشفت واحد وشه مليان «بلى»، وشاب تانى أخد أكتر من طلقة فى ضهره، وشباب كتير جداً أخدوا الخرطوش فى رجلهم، تقريباً الضرب فى الرجل مقصود، عايزين يعوروا ويعجّزوا علشان يمسكوا اللى يقع». قبل العاشرة، قامت قوات الأمن بعدد من الحيل لاعتقال أعداد أكبر من المتظاهرين، منها ما ذكره أحمد عدنان، 29 سنة، أن «مجموعة من الشرطة ركبوا ميكروباص ووصلوا لمنطقة الاشتباكات والشباب فضلوا يقولولهم بلاش تعدوا من هنا علشان فيه ضرب، والشباب كانوا فاكرينهم ركاب عاديين، فلما أصروا عدوا، وعند نقطة معينة، الباب اتفتح فجأة ونزل العساكر مسكوا كام واحد وجريوا بالميكروباص». بالقرب من موقع الاشتباكات، قام المتظاهرون بقطع الطريق على السيارات، خوفاً من دخولها إلى محيط الاشتباكات بما يعرضها لخطر أو ضرر؛ غير أن مجموعة من السيارات كانت تمر من مكان احتشاد المتظاهرين لترقب الوضع عن كثب؛ ثم تسرع هاربة من مكان الاشتباكات. وقفت مجموعة من نساء منطقة المقطم أمام منزل إحداهن، ورحن يهتفن الهتاف الوحيد الذى تردد فى محيط الاشتباكات: «يسقط يسقط حكم المرشد»، و«ارحل». سيف عبدالله، 18 سنة، حضر إلى محيط الاشتباكات ليس للاشتباك، وإنما لفحص أسطح المنازل المجاورة لمقر جماعة الإخوان، والتأكد من خلوه ممن قد يعتليه لإلقاء الطوب على المتظاهرين أو قنصهم، يقول سيف: «أنا بتأكد بس من وقت للتانى إن سطح مكتب الإرشاد مفيش فيه أى حد ولا سطوح البيوت اللى جنبه، تحسباً برضه أنه يكون فيه قناصة فوق أو حد يرمى طوب يقتل الشباب، ولو بشوف حاجة بنبه الناس، وربنا يستر». قلة أعداد المتظاهرين كانت سبباً فى هجوم قوات الأمن، وفقاً لما قاله المتظاهر كريم عوض، 21 سنة، «أعدادنا القليلة هى اللى خلت قوات الأمن تخرج بمدرعاتها لحد أول شارع 9 وتطارد الشباب حتى فى الشوارع الجانبية وتضطرهم للجرى لمسافة مش أقل من كيلومتر بعيداً عن مكان تجمهرهم». قبل الثانية عشرة من صباح الاثنين؛ وصل إلى ميدان الاشتباك نحو عشرين من الملثمين الذين حملوا بأيديهم عشرات من زجاجات «المولوتوف» متوجهين إلى نقطة أقرب من قوات الأمن؛ وقتها احتدمت الاشتباكات، وتبادل الطرفان وابلاً من الحجارة والمولوتوف وقنابل الغاز، فيما أوقفت قوات الأمن استخدام رصاصات الخرطوش. ازدادت حدة الاشتباكات مع وصول مجموعة الملثمين، فاندفع المئات من المتظاهرين إلى نقطة أقرب من قوات الأمن، وقاموا بإلقاء عدد قليل من قنابل المولوتوف، مع الخبط على صناديق القمامة بشكل متسارع لعمل ضجيج فى محيط الاشتباكات يحمس المزيد من الشباب على التقدم ناحية قوات الأمن. الساعة تشير إلى الثانية عشرة، احتفلت الشرطة بيوم جديد بإطفاء أعمدة الإنارة، فساد صمت حذر بين المتظاهرين الذين كانوا يلقون حجارة على عساكر الأمن، حتى قطع الصمت صوت «سارينة» مدرعات الأمن التى انطلقت نحو المتظاهرين مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع، مما اضطر المتظاهرين إلى الهروب فوراً من محل الاشتباكات إلى أماكن أبعد أكثر أماناً. مع تراجع أعداد المصابين فى الساعات الأخيرة من الليل؛ ووقف استخدام طلقات الخرطوش، انصرفت مجموعة من سيارات الإسعاف عن محيط الاشتباكات كى لا يبقى فى محيط الاشتباكات سوى أربع سيارات إسعاف، وثلاث سيارات عيادات مجهزة. دامت الاشتباكات حتى الساعات الأولى من نهار اليوم التالى، ليسود من بعدها هدوء حذر فى محيط الاشتباكات مع خلاء محيط مقر مكتب إرشاد جماعة الإخوان إلا من المارة ومدرعات الأمن، وعشرات الجنود.